الحديث الدائر هذه الأيام بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وتتناوله مختلف برامج القنوات التلفزيونية، وتصفه شركات التكنولوجيا ومسوقوها والمحللون المختصون بأنه الحدث التكنولوجي الأبرز الذي يترقبه المعنيون يتعلق بالميتافيرس، وسبب كل هذا أن مؤسس موقع فيسبوك " مارك زوكربيرغ " قرر تغيير أسم شركة فيسبوك إلى ميتا.

مفهوم الميتافيرس

من الناجية اللغوية فإن مصطلح ميتافيرس بالإنجليزية Metaverse يتكون من شقين الأول " Meta " بمعنى: ما وراء ، والثاني " Verse" بمعنى: الكون، وبتعبير مكتمل وأكثر ملائمة للواقع يكون معنى المصطلح بشقيه: عالم ما وراء الطبيعة، وتمت صياغة المصطلح أول مرة في رواية الخيال العلمي تحطم الثلج Snow Crash التي كتبها المؤلف نيل ستيفنسون عام 1992، حيث يتفاعل البشر مع بعضهم البعض ومع برمجيات بشخصيات يجسدها المستخدم أفاتار avatar في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي.

أما من ناحية التطبيقات الفعلية المحتملة فإن مصطلح ميتافيرس يستخدم عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية المفترضة للإنترنت، المكون من مساحات ثلاثية الأبعاد لا مركزية ومتصلة بشكل دائم، هذه المساحات الإفتراضية يمكن ولوجها والوصول لها عبر نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز والجوالات والحواسب المكتبية ومنصات الألعاب، وحين الوصول إلى ميتافيرس مثالي سيكون بمقدور المستخدم تطبيقه على أي شئ وخوض أي تجربة أو نشاط، وسيكون بمقدورالمستخدم التعامل مع أي أمر يحتاجه من مكان واحد. [1]

ما الذي يوفرة الميتافيرس في العالم الافتراضي؟

يستطيع الميتافيرس توفير الكثير من الخدمات في مختلف المجالات كالتعليم والطب والترويج للمنتجات والتسوق عبر الإنترنت... وغير ذلك من مجالات الحياة المختلفة ففي مجال التعليم يستطيع الأساتذة والطلبة حضور الفصول الدراسية أو قاعات المحاضرات، ويجري التفاعل بين الاساتذة والطلبة وبين الطلبة وبعضهم البعض، والاستفادة من الأدوات والوسائل التعليمية والخدمية الموجودة بالقاعات دون الحاجة إلى الانتقال الفعلي إليها، وفي مجال الطب يمكن تعليم الدارسين التشريح وإجراء العمليات الجراحية داخل غرفة العمليات على نماذج افتراضية تحاكي الجسم البشري مع إدراك ذلك بالحواس، وذلك دون الحاجة إلى تجهيز غرفة عمليات أو وجود مريض، وفي مجال الترويج للمنتجات " صرح تيم سويني رئيس شركة إيبيك غيمز للألعاب التي تنتج لعبة فورتنايت، للواشنطن بوست عن طموحاته المتعلقة بالميتافيرس قائلاً: بأن لديه رؤية لعالم تستطيع فيه شركة تصنيع سيارات الترويج لطراز جديد بأن تطرح سياراتها في الوقت الحقيقي فيتمكن المرء من قيادتها في الحال في العالم الافتراضي، وفي مجال التسوق عبر الإنترنت سيكون بإمكانك قياس الملابس رقمياً أولاً ثم تطلبها ويتم توصيلها إليك في العالم الحقيقي ". [2] التطبيقات التي ذكرت على سبيل المثال لا الحصر، وهناك العديد من التطبيقات الأخرى في كافة مناحي الحياة بانتظار من يكتشفها.

تأثير الميتافيرس على العالم الحقيقي

شبكات التواصل الاجتماعي كأي شئ في الوجود لها منافع وأضرار عند استخدام الناس لها، ولأن تجربتنا في استخدام الفيسبوك على مدار السنوات السابقة وهي تعتمد على مجرد مشاركة نصوص وصور وفيديوهات أثبتت للأسف أن أضراره تفوق منفعته حيث سيطر على حياة أكثر من مليار إنسان حول العالم في اتجاه بعيد كل البعد عن الاستفادة من المعلومات المتوفرة بشكل صحيح، وهذا يدفعنا للتساؤل عن حجم أضرار الميتافيرس وهو يعتمد على مشاركة العالم الافترضي virtual world الذي يعيشه الأفراد في تجاوز للزمان والمكان ودمج الافتراضي بالحقيقي من خلال استخدام منتجات التطبيقات الذكية من نظارات وسماعات وقفازات ومستشعرات حسية، وسأعرض التأثير المتوقع للميتافيرس على الإنسان والأسرة والمجتمع.

• التأثير على الإنسان: مما لا شك فيه أن الميتافيرس سيكون له تأثير سلبي على صحة الإنسان الفرد من الناحية الصحية لأن كل متطلبات الحياة ستختزل في نطاق المنزل، وبالتالي لا حركة ولا مجهود وهذا يضر بالصحة العامة والصحة النفسية، ويؤدي إلى التوتر والقلق وحب العزلة والأنطواء وكل هذا يقود إلى الاكتئاب ويتحول الإنسان بمرور الوقت إلي إدمان تطبيقات العالم الافتراضي، وسيفقد الإنسان خصوصيته فكل شئ عن حياته ومكنونات نفسه حتى الجانب المخفي منها الذي لا يحب أن يعلنه حتى لا ينتقده المجتمع سيعلنه ويفصح عنه بوضوح وبمحض إرادته لشعوره بأن المجتمع لن يراه في هذا العالم الافتراضي، والاستغراق في الحياة التخيلية سيفقد الإنسان قدرته على التمييز بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي.

• التأثير على الأسرة: لكل فرد من أفراد الأسرة علاقاته الاجتماعية الخاصة التي أنشأها في الميتافيرس، وبالتالي سيوثر ذلك بالسلب على العلاقات الأسرية الحقيقية، وستتفكك الأسر بسبب اختزال العلاقات الاجتماعية على العلاقات المبنية في الميتافيرس والذي يعطي شعور كاذب بالاجتماع بالأسرة والحديث والمرح معهم في مكان جميل كحديقة أو مطعم وهو مالم يحدث في الحقيقة، وقد تختفي الأسرة لعدم قيامها من الأصل لأن الإنسان وببساطة يمكنه تكوين أسرة افتراضية من زوجة وأولاد يعيش معهم في سعادة وهناء ويشعر بهم بحواسه دون تحمل مسؤليتهم، وقد تنهار الأسر بسبب الجوانب الأخلاقية فقد رأينا كيف أن الدردشة الشات Chat أدت إلى التدني الأخلاقي وزيادة الإباحية، فما بالك إذا دخل الأبناء إلى الأماكن الإباحية في الواقع الافتراضي المعزز بالمؤثرات الحسية! هذا بخلاف الإرهاق المادي للأسر بسبب كثرة التسوق لشراء الملابس والاكسسوارات التي يحب كل فرد من أفراد الأسرة ارتدائها للظهور بها أمام من يشاركهم في العالم الافتراضي في الرحلات أو الحفلات أو المنافسات الرياضية.

• التأثير على المجتمع: بعد تأثير تطبيقات الميتافيرس على الفرد والأسرة ستفرض نفسها على العالم وبمعنى أدق ستسيطر على العالم في المستقبل القريب، وستتمكن من تزييف التاريخ وتشويه القيم الإيمانية عن طريق تمرير المعلومات المغلوطة عبر العالم الافتراضي لتتأصل وتصبح حقيقة في العالم الواقعي، وسينمو العالم الخيالي ويتجه العالم الحقيقي إلى هاوية الإنهيار الاقتصادي والتفكك الأسري والتحلل الأخلاقي ويتراجع العمران بكل صوره وأشكاله.

الخطورة الحقيقية للميتافيرس

الميتافيرس في بداياته وهو لن يتوقف على فيسبوك فقط، ولا يمكن أن يقوم على تطبيق واحد لأنه يعتمد على التشاركية مع التطبيقات الأخرى، وهذا ما صرح به مارك زوكربيرغ نفسه بقوله: إنه مستقبل أبعد من أي شركة واحدة وسوف نصنعه جميعاً، بمعنى أنه في المستقبل القريب سيتم الاستفادة من تطبيقات المستشعرات العصبية لمشروع شركة " نيورالينك الأمريكية للتكنولوجيا العصبية " والتي أسسها " إيلون ماسك " والتي تهدف إلى تصنيع أجهزة لعلاج أمراض الجهاز العصبي المركزي الخطيرة عن طريق ربط الخلايا العصبية للعقل البشري بالحواسيب والروبوتات التي تتعلم كيف تتخذ القرارات استناداً على البيانات الضخمة فيما يعرف بـ " الذكاء الاصطناعي " برقائق متناهية الصغر للدمج بين الحقيقة والافتراض، وهو ما يسمح للإنسان بالتواصل لا سلكيا مع العالم وفعل ما يفكر به دون الحاجة إلى استخدام اللغة المنطوقة أو المكتوبة، كما يمكن للدماغ البشري التعلم بشكل أسرع.

ويكمن الخطر الحقيقي في استعمال المعطيات البشرية من طرف الذكاء الاصطناعي في نشر أفكار وأحكام مسبقة؟ تفرقة عرقية، رقابة، تنبؤ بالطابع الإجرامي... هذه المعايير التمييزية قد أدرجت في بعض الآلات التي يتم تلقينها بشكل يسمح لها بتحليل أنماط من السلوكيات [3].

النقاشات والمباحثات في أروقة الأمم المتحدة لم تصل إلى نتائج محددة بشأن وضع محددات لهذا الأمر، بدعوى أن ذلك سيقيد البحوث الخاصة بتطوير الذكاء الاصطناعي كمجال علمي، وإذا كان الأمر كذلك فمن يضمن أن هذه الآلات بعد أن تمتلك قدرات الذكاء والاستقلالية الكاملة ستبقى تحت سيطرة مصنعيها وممتلكيها؟ ومن يضمن ألا تتحول الروبوتات والأسلحة الذكية إلى قوة مستقلة تحارب من أجل التخلص من حكم البشر؟. [4]

من يموت في العالم الافتراضي سيموت في العالم الحقيقي

البعض نسب هذه المقولة إلى مارك ذوكربيرغ نفسه وعلل ذلك بأنها جملة تسويقية توضح مدى استغراق الأشخاص داخل العالم الافتراضي [5]، والبعض نسب هذه المقولة إلى ألون ماسك وعلل ذلك بأنها مجرد كومكس ساخر تعليقاً على الميتافيرس، ولم استطع التحقق من القائل الفعلي، وبصرف النظر عن القائل فمن وجهة نظري هي تعبير صريح وصادق عن النتيجة الحتمية للاستغراق في عالم الميتافيرس باعتباره تجربة الخروج من الجسد حيث تأخذك حواسك إلى مكان آخر وتترك جسدك خلفك على كرسي أو يقف كسجين معصوب العينين بسماعات رأس تحجبك عن العالم الحقيقي. هنا تكون السلامة دائمًا مصدر قلق، قد نتذكر مقاطع الفيديو لمستخدمي Wii خامس نظام ألعاب فيديو أطلقته شركة نينتندو وهم يحطمون أجهزة التلفزيون الخاصة بهم! هذه مجرد معاينة لما يمكن أن يحدث خطأ عندما تتحرك أجسادنا حول أشياء حقيقية بينما تكون عقولنا في الفضاء الافتراضي.

الكثيرون يموتون ميتة الأبطال العظام في ألعاب الواقع الافتراضي، لكنه يبقى موتاً افتراضياً مرهوناً بلعبة يمكن إعادتها، لكن الموت حقاً في لعبة للواقع الافتراضي قد لا يخطر على بال الكثيرين، لكنه ما حدث حقيقةً لرجل روسي في الرابعة والأربعين من عمره، فقد حاول الرجل تجربة نظارة لإحدى هذه الألعاب وسقط على طاولة زجاجية في منزله بالعاصمة موسكو وبقي ينزف حتى الموت، إذ لم يتبع تعليمات الاستخدام الموجودة مع كل نظارة لألعاب الواقع الافتراضي، وبحسب وكالة تاس الروسية للأنباء التي أوردت الخبر، فإن السلطات أكدت وفاة الرجل متأثراً بإصاباته البليغة. [6]

نصائح لتفادي الأضرار النفسية للميتافيرس

للحفاظ على سلامة الصحة النفسية في ظل تصاعد سطوة التكنولوجيا، توصي الدكتورة ليلى رجب استشاري الصحة النفسية. بمزيد من الوعي عند التعامل مع عالم ميتافيرس ومحاولة عدم الانخراط فيه بشكل كبير، عن طريق اتباع مجموعة من الإرشادات أبرزها:

- تجنب استخدام تلك التكنولوجيا المبهرة في جميع مناحي الحياة، والحفاظ على طريقة للتواصل مع العائلة والأصدقاء بشكل مباشر.

- توعية الأطفال والمراهقين بخطورة تلك التكنولوجيا وتقنين طرق استخدامها، بما في ذلك وقت التعرض لها.

- الحفاظ على ممارسة أنشطة تعتمد على التواصل الشخصي والجماعي مع الآخرين.

- ممارسة التمارين الرياضية بشكل مستمر، للحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية.

- تخصيص وقت للأسرة للتجمع مع الأبناء ومناقشتهم في مختلف أمور الحياة، وتجديد التواصل معهم بشكل دوري، للحد من تأثيرات التكنولوجيا الضارة الخطيرة.

- التواصل مع الطبيب النفسي عند مواجهة صعوبة في السيطرة على وقت وشكل التعرض للعالم الإفتراضي الذي تخلقه تقنية ميتافيرس.





المراجع
  1. ويكيبيديا
  2. BBC News العربية
  3. موقع منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة " اليونسكو ".
  4. الروبوتات القاتلة هل ستحكم العالم
  5. حقيقة "محرجة" عن عالم "ميتافيرس".. حلم مؤسس فيسبوك
  6. >
  7. أول حالة وفاة بسبب نظارات الواقع الافتراضي
Created By M2000 Studio

Valid XHTML 1.0 Transitional