الصناديق الخاصة تنشأ بقرارات جمهورية وفقاً لاعتبارات معينة وبغرض تحقيق أهداف محددة , وتتبع الوزارات والهيئات العامة والمحافظات والمجالس المحلية وتحصل على مواردها من عامة الشعب , من حصيلة الدمغات والغرامات وقيمة رخص الحديد والأسمنت والأسمدة الممنوحة للغير , ومن رسوم التصالح في المباني , ورسوم اللوحات المعدنية للسيارات , ورسوم استغلال المحاجر , ورسوم دخول المستشفيات , وغيرها الكثير .
التوسع في إنشاء الصناديق الخاصة
لقد تم التوسع في إيجاد الصناديق الخاصة التي تنشأ خارج الموازنة العامة للدولة لدرجة أن إنشائها لم يعد مقصوراً على سلطة رئيس الجمهورية بل تعدتها إلى قانون الإدارة المحلية الذي أعطى الحق لرؤساء القرى أو المراكز أو المحافظات في إنشاء صناديق خاصة , هذا التوسع الكبير جعل من الصعب حصر هذه الصناديق أو مراقبتها بعد أن وصل عددها إلى ما يقارب 10 آلاف صندوق , والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل حققت هذه الصناديق الخاصة الهدف من إنشائها ؟ يجيب عن هذا السؤال تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات .
إهدار أموال الصناديق الخاصة
أكد فحص الجهاز المركزي للمحاسبات عن خروج الصناديق الخاصة عن الضوابط التي تحكم إنشائها وعدم تحقيق الكثير منها للأهداف المنشأة من أجلها , وعدم إحكام الرقابة على مصروفاتها والصرف من أموالها في غير أغراضها وأن جانباً كبيراً من الإنفاق من هذه الصناديق يذهب إلى الإعلان والهدايا والمكافآت للمستشارين والعاملين المنتدبين من جهات أخرى وفي تجهيز المكاتب والقاعات وشراء الأراضي .
أعطى تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أمثلة على الإهدار المتعمد والنهب الواضح للمال العام صندوق حصيلة تراخيص إنشاء مصانع الحديد والأسمنت استحقاق نحو 1145 مليون جنيه طرف بعض الشركات الممنوح لها تراخيص إنشاء مصانع الحديد والأسمنت , فضلاً عن منح 1% من حصيلة حسابي الحديد والأسمنت للعاملين بالهيئة العامة للتنمية الصناعية والتي بلغت 10,28 مليون جنيه وصرفها كمكافآت بالمخالفة لأحكام القانون .
كما قدم التقرير أمثلة أخرى على صناديق خاصة تمتص المال العام دون رقابة ودون أن تقوم بالأعمال التي أنشأت من أجلها منها صندوق رد الشئ لأصله بمصلحة الري والإدارات التابعة المختص بحماية نهر النيل من التلوث , وصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء هيئة التدريس الذين بلغوا سن السبعين وأسرهم بالمجلس الأعلى للجامعات , وصناديق الحسابات الخاصة بالأزهر الشريف وجامعة الأزهر .
وأكد تقرير الجهاز أن الإهدار المتعمد في الصناديق الخاصة بلغ 1272 مليار جنيه بما يزيد على إجمالي الناتج المحلي ويساوي 446% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة كما يساوي 14 ضعف عجز الموازنة .
التضارب في أرقام الصناديق الخاصة
من المؤسف حقاً التضارب الذي تظهره تصريحات المسئولين حول حجم المبالغ الموجودة في الصناديق الخاصة , لأنه ليس من المعقول أو المقبول أن يكون المسئولين في الدولة لا يعرفون على وجه الدقة البيانات الخاصة بحجم الموارد والرسوم المالية التي يتم فرضها على المواطنين , فمنذ صدور تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات المتضمن وجود أموال لا تدخل الموازنة العامة للدولة ولا تخضع لإشراف أي جهة رقابية في فبراير 2010 , وتقديم استجواب في مجلس الشعب يطالب بالتحقيق في وقائع الفساد المذكورة بالتقرير وضم الأموال الموجودة في هذه الصناديق الخاصة إلي وزارة المالية , لم يتم اتخاذ أي إجراء سوى مناقشة صورية للاستجواب في المجلس تم بعدها الانتقال إلى جدول الأعمال .
بعدها بشهور قامت ثورة 25 يناير وقدمت حكومة الدكتور / عصام شرف موازنة عامة للدولة للعام 2011 / 2012 متضمنة عجزاً مقداره 134 مليار جنيه مطلوب توفير مصادر لتمويله , عندها كثر الحديث عن ضم أموال الصناديق الخاصة التابعة للجهات الحكومية المختلفة إلى الموازنة العامة للدولة .
وقد ذكرت الدكتورة / بسنت فهمي عضو غرفة التجارة الأمريكية ومستشار بنك البركة مصر , أن أموال الصناديق الخاصة داخل مصر تفوق الترليون جنيه حسب تقارير الجهاز المركزي , وأن هذه الأموال تحل جميع مشاكل مصر خلال 24 ساعة , وتوقعت أن تشهد عملية ضم أموال الصناديق الخاصة لموازنة الدولة مقاومة شديدة من القائمين عليها حفاظاً على مصالحهم الشخصية .
الدكتور / سمير رضوان وزير المالية الأسبق في بدايات شهر مارس 2011 أنكر وجود الصناديق أو وجود أموال بها ثم عاد وأعلن بأن هذه الصناديق بها 36 مليارجنيه , وقال في تصريح له بأن الوزارة تراقب الصناديق الخاصة ولكن ليس لها سيطرة عليها باعتبارها خارج الحساب الموحد .
الدكتور / حمدي عبدالعظيم رئيس أكاديمية السادات سابقاً , يصف كل ما أعلن من تقديرات بخصوص هذه الحسابات التي أوصلتها لقرابة 1,3 ترليون جنيه بأنها تقديرات مبالغ فيها , وإن كانت المؤشرات تذهب في مجملها إلى أن هذه الصناديق والحسابات يوجد بها ما لا يقل عن 500 مليار جنيه .
الاقتصادي القدير الدكتور / حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ووزير المالية الحالي أكد في 26/7/ 2011 على أن ضم أموال الصناديق الخاصة إلى موازنة الدولة أمر وارد , وأنه جار الوقوف على حجمها الحقيقي ورفض التعليق على ما أثير مؤخراً من أن حجمها 500 مليار جنيه .
هذا الإهدار المتعمد لأموال الصناديق الخاصة وعدم الرقابة عليها كما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات , والتضارب في تصريحات المسئولين حول الحجم الحقيقي لأموال هذه الصناديق , يجعلنا نطالب الدكتور / حازم الببلاوي الذي أعلن راتبه بكل شجاعة وشفافية بأن يعلن الأرقام الحقيقية للأموال الموجودة في الصناديق الخاصة في أسرع وقت ممكن وبمنتهى الصدق والشفافية المعهودتين منه , حتى يتبين للشعب الحجم الحقيقي لأموال هذه الصناديق , كما نطالبه بضم أموال االصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة .
عبد الفتاح محمد صلاح
مشرف موقع الاقتصاد العادل