من المعلوم أن الاقتصاد يختص بدراسة إشباع حاجات الأفراد باستخدام الموارد الطبيعية المتاحة بكل وسيلة ممكنة بأقل وقت وجهد وتكلفة , فالاقتصاد هو علم الثروة الذي يعتمد في إشباع حاجات الأفراد على الموارد المادية وهي تنقسم إلى :
موارد طبيعية : وهي الثروات التي خلقها الله للبشر دون دخل للإنسان في وجودها , وتتمثل في كل الموارد المخلوقة سواء أكانت يابسة أم مائية وما فوقهما وما تحتهما كالنبات والحيوان والبترول والمناجم وغيرها الكثير .
موارد مصنوعة : وهي كل مورد طبيعي اختلط بجهد بشري ولم يستهدف منه الاستهلاك المباشر كالعدد والآلات والمصانع التي تستخدم في العملية الإنتاجية وتعرف بالأصول المادية أو الأصول الرأسمالية .
مفهوم الأصول
علم المحاسبة يعرف الأصل بأنه شئ مملوك له قيمة قادرة على سداد ديون الغير , ومع ظهور المشروعات الضخمة والشركات المساهمة تطور مفهوم الأصل لينظر إليه كأحد عوامل الإنتاج التي يتولد عنها دخل للمشروع في المستقبل يستخدم في سداد الالتزامات , فالأصل بهذا المعنى يجب أن تتوفر فيه شروط الملكية والحيازة وتكون له قيمة ذاتية حقيقية .
إشباع الحاجات البشرية في أي مجتمع يتم من خلال النشاط الاقتصادي العيني الحقيقي , الذي ينتج السلع والخدمات باستخدام الأصول المادية الملموسة التي تمثل أصل الثروة المملوكة للمجتمع , كالأراضي , والمباني , والآلات , والمواد , والمعادن النفيسة , والحبوب والفاكهة , وسائر السلع الاستهلاكية التي هي أساس حياة البشر .
وقد اكتشفت البشرية مبكراً أن تبادل الأصول المادية عن طريق المقايضة " المبادلة " داخل الاقتصاد العيني الحقيقي , يحتاج إلى وسائل وسيطة لتسهيل عملية تبادل ملكية الأصول العينية بين الأفراد , وكذلك تيسير عملية الاشتراك بين مالكي هذه الأصول العينية في إقامة مشروعات لإنتاج سلع استهلاكية واستثمارية لإشباع الحاجات البشرية المتزايدة على الدوام .
هذه الوسائل الوسيطة التي تسهل عملية تبادل ملكية الأصول العينية بين الأفراد , وتيسر الاشتراك بين مالكيها في العملية الإنتاجية , تطورت على مر العصور حتى وصلت إلى النقود الورقية المتداولة التي تعطي حائزيها حق الحصول على السلعة أو الخدمة من الاقتصاد .
منطلقات مفهوم قيمة النقود الورقية
بعيداً عن الدخول في الخلاف بين العلماء حول أن ثمنية النقود محصورة في الذهب والفضة , وبعيداً عن أن النقود الورقية سندات دين أم عروض تجارة أم عمله قانونية إلزامية قائمة بذاتها ليس لها غطاء ذهبي , فإنه من المهم تحديد منطلقات مفهوم قيمة النقود الورقية لأن فكرة الأصول المالية مرتبطة بمفهوم قيمة النقود الورقية .
1- النقود الذهبية والفضية ذاتية القيمة لأن قيمتها مستمدة من المادة التي ضربت منها وهي مرتبطة بها ارتفاعاً وانخفاضاً , أما النقود الورقية فليس لها قيمة ذاتية وقيمتها اصطلاحية مستمدة من القانون ومن القوة الاقتصادية للدولة فإذا ألغي التعامل بها أصبحت بدون قيمة .
2- القيمة الأسمية للنقود ذاتية القيمة مساوية للقيمة الحقيقية لها , أما النقود الورقية فلها قيمة اسمية مسجلة عليها كجنيه أو خمسة أو عشرة تختلف عن قيمتها الحقيقية المتمثلة في قوتها الشرائية , أي ما نستطيع أن نحصل عليه بواسطتها من سلع وخدمات .
3- النقود الورقية كانت مغطاة بالذهب في بداية التعامل بها لذا كانت تنوب عنه , أما اليوم فقد انفك الارتباط بينهما ولم تعد مغطاة بالذهب لذا فقيمتها قانونية فقط .
4- النقود الورقية لا تطلب لذاتها بل لوظائفها وما يمكن الحصول عليه من سلع وخدمات بواسطتها , وهذا يجعل قيمتها مرتبطة بمستوى الأسعار فكلما ارتفعت أسعار السلع والخدمات نقصت القوة الشرائية للنقود وانخفضت قيمتها .
الأصول المالية
رغم أن معظم الاقتصاديين المعاصرين أو كلهم يعرفون أنه لا يوجد سوى الاقتصاد العيني الذي يتعامل في الموارد المادية قادر على إشباع الحاجات البشرية , وأن ما يسمى بالاقتصاد المالي ما هو إلا أدوات مالية وسيطة كالنقود الغرض منها خدمة الاقتصاد العيني , إلا أنهم لا يجدون غضاضة في القول بوجود أصول مالية .
الأصول المالية ليس لها قيمة في حد ذاتها , ولكنها انعكاس لما تعبر عنه في الاقتصاد العيني , كما أنها لا تولد دخولاً بذاتها , ولكنها وسيله مساعدة لتسهيل توليد الدخول من الأصول العينية , ومع هذا يتعامل معها الاقتصاد العالمي باعتبارها قادرة على توليد قيمة بذاتها في انفصام تام بينها وبين الاقتصاد العيني , فمعظم الاستثمارات توجهت للمراهنة في الأصول المالية على حساب إنتاج الأصول العينية , وتضخم حجم المراهنات وتقلص حجم الإنتاج لدرجة أن حجم العقود المالية الآجلة في العالم أصبح 57 ضعف حجم التجارة الدولية وفقاً لتقرير البنك الدولي .
الأصول المالية التقليدية : هي الأوراق المالية وهي إما أن تكون صكوكاً مثبتة لحقوق الملكية كالأسهم التي تعبر عن حق الشريك في صافي الأصول المادية المملوكة للشركة , وإما أن تكون صكوكاً لإثبات المديونية كالسندات , والكمبيالات , وأذون الخزانة , وشهادات الإيداع .
المشتقات المالية : ليست أوراقاً مالية بالمعنى التقليدي كالأسهم والسندات , وإنما هي عملية توليد لأدوات تعاقدية صورية من الأصول المالية لتنفيذ عمليات رهان وقمار تتعلق ببنود خارج الميزانية في موعد لاحق وفقاً لما هو مجدول لها , ويعبر عن هذه الحقيقة بوضوح تعريف المشتقات المالية المقدم من بنك التسويات الدولية التابع لصندوق النقد الدولي , الذي يرد في مضمونه أن المشتقات المالية عقود تتوقف قيمتها على أسعار الأصول المالية محل التعاقد , ولكنها لا تقتضي أو تتطلب استثمار لأصل المال في هذه الأصول , ويكفي تبادل مدفوعات فروقات الأسعار بين طرفي العقد , وأنه ليس من الضروري انتقال ملكية الأصل محل التعاقد .
تأثير الأصول المالية على النشاط الاقتصادي
من المعلوم أن السيولة المالية ضرورية للنشاط الاقتصادي , فاستخدام الأموال المحلية أو الخارجية في الاستثمار المباشر من خلال تأسيس مشاريع إنتاجية وخدمية جديدة , أو تطوير مشاريع قائمة لزيادة طاقتها الإنتاجية , يساهم في عملية التنمية الاقتصادية للمجتمع .
أما تداول السيولة في عمليات صورية قائمة على الرهان والقمار تحت مسمى الاستثمار غير المباشر في الأصول المالية التقليدية أو المشتقات المالية في البورصات المحلية أو العالمية , فإن ذلك يعد اخراجاً للموارد المالية من دائرة النشاط الاقتصادي الإنتاجي إلى النشاط المالي الطفيلي الذي لا يستفيد منه المجتمع , فإذا ما تم خسارة هذه الأموال في البورصات العالمية فإن ذلك يعد إهداراً لهذه الأموال وتدميرا للنشاط الاقتصادي الحقيقي .
مما تقدم يتضح أن ما يسمى بالأصول المالية التي يتم تداولها في العالم ما هي إلا أوراق ومستندات وهمية بشروط تعاقدية , يتم بيعها وشراؤها في سيل من المراهنات الشكلية دون تسليم أو تمليك فعلي للأصول العينية , وهي سبب الأزمة المالية العالمية الراهنة.
عبد الفتاح محمد صلاح
مشرف موقع الاقتصاد العادل