من المشاكل الخطيرة التي تواجه المجتمع المصري وجود كميات كبيرة جدًا من القمامة في أماكن متفرقة في كثير من مدنها، لذا يجب التخلص من هذه المشكلة بأقصى سرعة ممكنة حيث أنها مصدر للأمراض والاكتئاب والروائح الكريهة لكن إذا تم التعامل معها بطريقة صحيحة عن طريق إعادة التدوير يمكن تحويلها من مشكلة يصعب حلها إلى حل لمشكلاتنا , ومن نقمة إلى نعمة , ومن قمامة يمثل التخلص منها عبئاً على الموازنة إلى ثروة قومية، نستخرج منها العديد من المنتجات , ونوفر آلاف من فرص العمل , ونحافظ على مواردنا الطبيعية من الإهدار , ونحمي الصحة والبيئة , وفوق هذا كله نحقق عائداً اقتصادياً.

مشكلة مصر مع القمامة:
القمامة في مصر أصبحت مشكلة مزمنة والتخلص منها يكلف ميزانية الدولة 456 مليون جنيه سنوياً تدفع لشركات النظافة الأجنبية الثلاث " الفرنسية والأسبانية والإيطالية " التي تعاقدت معها الحكومة بعقود طويلة الأجل تصل إلى 15 سنة تنتهي في 2018.

وقد تم التعاقد مع تلك الشركات لتقوم مقام هيئة النظافة والتجميل الحكومية بزعم قدرة تلك الشركات على امتلاك المعدات الثقيلة وتوفير قطع الغيار اللازمة لها بالإضافة إلي الخبرة في هذا المجال مما يقضي على مشكلة تكدس القمامة في الشوارع , وتم تحميل المواطنين برسوم نظافة مبالغ فيها مضافة إلى فواتير الكهرباء , ولكن للأسف لم تنتهي المشكلة أو تتحسن الخدمة وكل ما قامت به هذه الشركات هو تجميع القمامة من الشوارع الرئيسية والميادين العامة فقط ثم حرقها بالكامل دون الاستفادة منها.

أسباب تفاقم مشكلة القمامة:
قبل ذبح الخنازير لم يكن الزبالين يعانون من بقايا الطعام بين أكوام القمامة , ولكن بعد التخلص من الخنازير نهائياً في نهاية عام 2009 أصبحت بقايا الطعام مشكلة تؤرق الزبالين لعجزهم عن التخلص منها لعدم وجود حظائر للخنازير , فتحول جامعي القمامة إلى فرزة يقومون بفرز محتويات صندوق القمامة في الشارع ويأخذوا منه ما يلزمهم ويتركوا الباقي مما يحدث مزيداً من التلوث وانتشار الروائح الكريهة.

التخلص من القمامة بإعادة تدويرها:
إعادة تدوير المخلفات واستخدامها في صناعة منتجات جديدة هو دليل على تقدم الدولة , وهناك دول كثيرة منها الفاتيكان و لوكسمبرج تطلق على قمامتها المناجم الحضارية لما تحتوي عليه من ثروات يمكن استخراجها منها وذلك تشبيهاً لها بمناجم الذهب.

القمامة المصرية تحتوى على مكونات تجعل من الممكن تدويرها بنسبة 100% , فطن القمامة في القاهرة يتكون من 65% مواد عضوية عبارة عن بواقي خضروات وفاكهة وخبز وغيرها من فضلات الطعام ومخلفات المطبخ , 15% ورق , 3% زجاج , 3% بلاستيك , 3% قماش , 1% عظم , 1% معادن , 9% مواد أخرى.

الأرقام الرسمية لوزارة البيئة:
تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة البيئة إلى زيادة حجم الزبالة عاماً بعد عام بشكل كبير خصوصاً مع تزايد عدد السكان , وأن ما يتم رفعه منها لا يزيد على النصف في حين يظل قسم كبير في الشوارع , وأن حجم القمامة عام 2000 كان 20 مليون طن ومتوقع أن يصل إلى 30 مليون طن عام 2016.

هذه الأرقام تقود إلى أن الحجم المقدر لكميات القمامة في عام 2011 سيتجاوز 25 مليون طن , وهذه الكميات يمكن أن توفر 12 مليون طن سماد عضوي تكفي لزراعة 2,7 مليون فدان , وأن تنتج 3 ملايين طن ورق , 348 طن زجاج , 110 ألف طن بلاستيك , 415 طن حديد تسليح , والاستفادة منها في صناعة 6,2 مليون طن أعلاف تكفي لتغذية 6.8 مليون بقرة.

الدراسات العلمية للمراكز البحثية:
كشفت دراسة علمية حديثة أجراها معهد بحوث الأراضي والمياه أن قمامة مصر من أغنى أنواع القمامة في العالم نظراً لما تحتويه من مكونات مهمة تقوم عليها صناعات تحويلية كثيرة , وأن الطن الواحد منها من الممكن أن يرتفع ثمنه إلى 6 آلاف جنيه.

وتضيف الدراسة أن القاهرة وحدها تنتج 15000 طن قمامة يومياً يمكن للطن الواحد أن يوفر 8 فرص عمل على الأقل بما يعني أنها قادرة على توفير 120 ألف فرصة عمل من خلال عمليات جمعها وفرزها وإعادة تدويرها.

القمامة تغطي عجز الموازنة المصرية:
طبقا لآخر التصريحات الصادرة من الدكتور / سمير رضوان وزير المالية في 5/7/2011 أن عجز الموازنة العامة المصرية للعام المالي 2011/2012 بلغ 134 مليار جنيه , سيتم تغطية 120 مليار جنيه من السوق المحلية , وتغطية 14 مليار جنيه من الدول العربية.

ومن وجهة نظري المتواضعة نحن لسنا في حاجة إلى تمويل هذا العجز داخلياً لأنه سيرفع مستوى الدين الداخلي , كما أننا لسنا في حاجة إلي الاستعانة بالدول العربية الشقيقة وكل ما نحتاجه هو الاستفادة من مكونات المنجم الحضاري " الزبالة المصرية " وذلك ببيع 25 مليون طن زبالة وفقاً للأرقام الرسمية المعلنة عن الكميات , وبسعر 6 آلاف جنيه للطن طبقاً للدراسات العلمية للمراكز البحثية عن سعر الطن , فيتحقق إيراد بيعي قدره 150 مليار جنيه تغطي قيمة العجز بالموازنة وتفيض , وكل المطلوب إرادة جادة وبدء فوري في المشروع القومي لإعادة تدوير القمامة.

المشروع القومي لإعادة تدوير القمامة:
إن إعادة تدوير القمامة يضاعف سعرها إلى عشرة أضعاف ثمنها طبقاً للدراسات العالمية , ويعتبر الحل الأمثل للتخلص منها بطريقة تحد من المخاطر البيئية والصحية الناتجة عن حرقها , كما أنها تعود بالنفع الاقتصادي على الدولة فتنخفض ميزانية عقود النظافة , ويتم خلق فرص استثمارية لمنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم تعتمد على المواد المفروزة , وتوجد منتجات بديلة للمواد الطبيعية مثل اللدائن كبديل للخشب , هذا بالإضافة إلى توفير الآلاف من فرص العمل للعمال والفنيين والمهندسين والإداريين على حد سواء.

المشروع ليس بدعة أو ترف فكري وإنما واقع مطبق في العديد من الدول وبطرق تنفيذ متباينة وبنسب تدوير متفاوتة حسب ظروف كل بلد ودرجة الوعي الثقافي للسكان , ففي سنغافورة تم إنشاء جزيرة كاملة في البحر من بقايا القمامة, وفي ولاية فيلادلفيا الأمريكية ارتفعت نسبة التدوير إلى 50% بعد أن كانت 10% , وهذه النتيجة أدت إلى مد تطبيق المشروع إلى نيوجيرسي والعديد من ولايات نيوانجلاند , وقد أثارت التجربة اهتمام أوروبا والسعودية والكويت ودول أخرى كثيرة.


فكرة المشروع مبنية على أنه إذا لم تتمكن من إقناع السكان بأن إعادة تدوير الزبالة هي أفضل وسيلة للتخلص منها , وذلك عن طريق مخاطبة ضمائرهم لحماية البيئة فليس هناك سوى حل بسيط وناجح هو الدفع لهم من بنك إعادة التدوير " ريسايكل بنك " لتشجيعهم على التفاعل ودعم الفكرة.

المراحل التنفيذية للمشروع القومي "ريسايكل بنك":
المرحلة الأولى : البدء في إنشاء " جمعيات ريسايكل بنك لخدمة المجتمع " بالتعاون مع رعاة رسميين من المصانع والشركات المحلية والمواطنين في كافة محافظات الجمهورية وكل جمعية يكون هدفها خدمة حي أو منطقة سكنية معينة أو عدد من المنازل.

المرحلة الثانية : عمل حملة توعية للسكان عن أهداف الجمعيات , وتوضيح أهمية التخلص من الزبالة بالاستفادة منها عن طريق إعادة تدويرها , مع بيان أن هناك فائدة مادية ستعود على الأسر المشاركة في المشروع في حالة قيامهم بفصل مخلفات الورق والبلاستيك والزجاج والصفيح عن المخلفات العضوية.

المرحلة الثالثة : قيام مندوبي الجمعيات باستلام المخلفات من المشتركين في المشروع وتسليم "جنيهات ريسايكل بنك " لهم , والتي تقدر حسب وزن المخلفات المستلمة منهم , وبواسطة جنيهات ريسايكل بنك تستطيع الأسر المشاركة الحصول على تخفيضات تصل إلى 25% على أسعار المنتجات والخدمات التي تقدمها المصانع والشركات المتعاونة مع جمعيات ريسايكل بنك , أو استبدال الجنيهات في نهاية كل فترة مالية محددة من الربح المتحقق من بيع المخلفات وفقاً لنصيب كل جنيه ريسايكل بنك بعد خصم نسبة من الأرباح لاستخدامها في تطوير المشروع.

المرحلة الرابعة : الانتقال من خطوة بيع ما تم جمعه وفرزه إلى خطوة إعادة التدوير بنسب تدريجية تصاعدية على نحو 10% ثم 20% وهكذا حتى الوصول إلى أعلى نسبة ممكنة.

المرحلة الخامسة : تجميع الأرباح المحتجزة في كل جمعية للاشتراك بها في إقامة محارق صحية لا تضر بالبيئة للتخلص الآمن من المخلفات التي لا يمكن إعادة تدويرها.

المرحلة السادسة : عند اكتمال المشروع والوصول إلي أعلى نسبة ممكنة لإعادة التدوير يتم استخدام الأرباح المحتجزة في دعم وإقامة مشاريع قومية أخرى كتطوير العشوائيات , أو تقديم خدمات صحية للمهمشين من أفراد المجتمع أو غيرها من المشاريع التي يحتاجها المجتمع.

Created By M2000 Studio

Valid XHTML 1.0 Transitional