أكد خبراء في قطاع التأمين أن التأمين التعاوني لا يعد تبرعا محضا، بل له معنى مستقل أساسه التعاون والاشتراك في درء آثار المخاطر، وأن معنى التبرع في التأمين التعاوني هو المتعلق بالنظر إلى الأثر على مجموع المشتركين وليس بالنظر إلى نية كل فرد، ولا الجزاء الأخروي المرتبط بذلك، كما رأى الخبراء أن توافر الذمة المالية المستقلة لصندوق التأمين التعاوني هو أنسب التطبيقات المعاصرة للتأمين التعاوني ـــ مع كونه ليس شرطا لصحة كون التأمين تعاونيا، وأكدوا ضرورة الفصل بين حساب تأمين حملة الوثائق وحساب المساهمين الذي يعد من أهم مبادئ التأمين التعاوني، وأشار الخبراء كذلك إلى أن الفائض التأميني هو ما يتبقى من موارد صندوق المشتركين وعوائدها بعد خصم المصروفات والتعويضات، ويوزع الفائض على جميع المشتركين في صندوق التأمين بحسب نسبة الدفع من الاشتراكات السنوية، ولا يعطى منه لمن عُوض من المشتركين مهما كانت نسبة التعويض. جاء ذلك خلال فعاليات ملتقى التأمين التعاوني الثاني، الذي عُقد أخيرا في الرياض بتنظيم من الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، حيث أوصى المشاركون في الملتقى بإصلاح الأنظمة والتشريعات التي تحكم أعمال التأمين التعاوني، وإصدار تنظيمات الضبط الشرعي لهذه الصناعة، وذلك عبر إنشاء هيئة حكومية منفصلة تكون هي الجهة الإشرافية والرقابية على أعمال التأمين التعاوني وتطويرها، كما يمكن الاستفادة من أشكال وتطبيقات التأمينات الحكومية والإفادة منها في تطبيقات التأمين التعاوني، ودعوا كذلك كل من له القدرة من شركات التأمين والباحثين والمختصين والجهات ذات العلاقة بالعمل على تطوير وابتكار صيغ تأمينية وتعاونية جديدة، مع التأكيد على أهمية استمرار مثل هذا الملتقيات المتخصصة في موضوع التأمين التعاوني بما يحقق دراسته دراسة تفصيلية ومناقشة نوازله. التكييف الفقهي للتأمين التعاوني ناقش المتلقى خلال يومين عددا من المحاور الجوهرية في قطاع التأمين، وعلى رأسها سالتكييف الفقهي للتأمين التعاوني والفروق المؤثرة بينه وبين التأمين التجاري، وطرق التصرف في الفائض التأميني وتوزيعه وضوابط احتسابه، وكذلك التحفيز بالفائض التأميني، والعجز التأميني وكيفية تغطيته، واستراتيجيات التأمين التعاوني المستقبلية، والصيغ التطبيقية للتأمين التعاوني، وتجارب التصرف في الفائض التأميني، إضافة إلى مشكلات التأمين التعاوني وحلوله. كان الدكتور عبد الرحمن الأطرم أمين الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل أكد أن مسائل التأمين التعاوني بحاجة إلى تأصيل شرعي ومزيد من الاهتمام بقضاياه، حيث يعمل ذلك على تطويره في ظل وجود قضايا خلافية، وأشار الدكتور الأطرم في حديثه إلى دور ملتقى التأمين التعاوني، الذي يُعقد سنويا، في إبراز أهمية صناعة التأمين التعاوني وبيان حقيقته ومقارنته بغيره من أنواع التأمين، وإلقاء الضوء على المسائل المؤثرة في حكمه كالفائض التأميني، واستعراض وتقويم التجارب التطبيقية في مجال التأمين التعاوني، إضافة إلى مناقشة المشكلات والمعوقات التي تواجهه والبحث عن الحلول المناسبة واستشراف مستقبله. ويضيف الأطرم أن ذلك يأتي في ظل اهتمام عالمي بصناعة التأمين، ودعا في هذا الخصوص المسؤولين إلى الاهتمام بالجوانب الإشرافية والنظرية والعملية والاقتصادية بما يحقق مصالح العباد. وفي ورقته المقدمة للملتقى أكد الدكتور علي القره داغي رئيس عديد من الهيئات الشرعية، أن التأمين التكافلي خطا خطوات جادة في مجالات التنظير والتطبيق والقبول لدى معظم الأفراد والمؤسسات، مشيرا إلى أن عددها ازداد بنسب تراوح بين 15 و20 في المئة؛ لتصل قيمة التأمين الإسلامي في عام 2015 إلى 7.4 مليار دولار، كما أشار إلى أن منتجات التكافل شملت مختلف مناحي الحياة، حيث رفعت الحرج عن الملتزمين، ولم يعد ثمة مبرر لعدم الالتزام بالتأمين الإسلامي في معظم الدول. الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري أشار الدكتور علاء الدين زعتري أمين الفتوى بإدارة الإفتاء العام في سورية في بحثه المطروح إلى الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، حيث يعد الأول منهما من عقود التبرع التي تأخذ الأقساط المقدمة صفة التبرع، بخلاف التجاري الذي يُعد من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، كما أن التعاوني يصرف من مجموع الأقساط المتاحة، وفي حال لم تكن كافية للوفاء بالتعويضات طُلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم وإلا لم يقع التعويض، أما التجاري فثمة التزام بالتعويض مقابل أقساط التأمين ويترتب عليه تحمل الشركة مخاطرة الأصل المؤمن عليه دون سائر المستأمنين، كما أن مجموع المستأمنين في التعاوني متعاونون في الوفاء بالتعويضات التي تصرف للمصابين منهم، ويتم التعويض بحسب المتاح من اشتراكات الأعضاء. وفي التجاري لا تستطيع الشركة تعويض المستأمنين إذا تجاوزت نسبة المصابين النسبة التي قدرتها الشركة لنفسها، ولا يقصد الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التعاوني التي يدفعها المستأمنون وتعويضات الأضرار التي تقدمها جهة التأمين، حيث ترد الزيادة إلى المستأمنين، بخلاف فائض التجاري الذي يكون من نصيب الشركة. ويعتبر المؤمنون تعاونيا مستأمنين ولا تستغل أقساطهم إلا بما يعود عليهم بالخير جميعاً، فيما تعد شركة التأمين التجاري المؤمِّن عنصرا خارجيا بالنسبة للشركة، كما أن شركة التأمين التجاري تقوم باستغلال أموال المستأمنين فيما يعود عليها بالنفع وحدها. كما يقول الدكتور ناصر عبد الحميد المتخصص في مجال التأمين في ورقته إنه يجب على شركة التأمين التكافلي التزام التطبيق بمعايير الضبط الشرعي وأن تكون لها هيئة للفتوى والضبط الشرعي تتمتع بقدر كبير من الاستقلال لضمان عدم وجود مصالح مادية لأي عضو من أعضاء هيئة الفتوى أو أحد أفراد أسرته في الشركة، حيث يضمن الاستقلال أن تكون قرارات هيئة الفتوى والمتابعة الشرعية إلزامية ولها سلطة إنفاذ ما يصدر عنها على الشركة، كما أشار الدكتور ناصر عبد الحميد إلى أن دور الهيئة الشرعية يتوجه إلى الإفتاء والمتابعة الشرعية كفحص العقود والاتفاقيات والسياسات والمنتجات والمعاملات وعقود التأسيس والنظم الأساسية والقوائم المالية وتقارير المراجعة الداخلية وتقارير عمليات التفتيش والتعاميم وإصدار القرارات والإرشادات والإجراءات اللازمة لتصحيح مسيرة العمل ووضع الضوابط والقواعد اللازمة للأنشطة كافة بما يتفق مع الشريعة الإسلامية. مسيرة التأمين الإسلامي وأشار نائب المدير العام لشركة البركة للتأمين السودانية الدكتور السيد حامد حسن محمد إلى أن مسيرة التأمين الإسلامي بدأت منذ عام 1979، وشغف العالم بها بعد مرور عقد من انطلاقتها، ونتيجة لذلك تسارعت خطى انتشاره حتى تجاوزت مؤسساته مائتي شركة تنتشر في قارات العالم وتتركز في الشرق الأوسط، وأكد في ورقته التي تحدثت عن مسيرة التأمين الإسلامي أنه سيسود العالم مستقبلا، وذلك عقب آثار الأزمة المالية العالمية الأخيرة. ودعا الدكتور السيد حامد إلى وضع معايير مختلفة لقياس أداء شركات التأمين الإسلامي؛ فبدلاً من الاهتمام بمعدلات النمو أوصى بالاهتمام بجوانب أخرى كمقدار أو عدد أو نسبة المطالبات التي تم سدادها دون تعقيدات أو نزاع بما في ذلك أعمال التحكيم والمحاكم، والمدى الزمني لسداد المطالبات، كما دعا إلى الإبقاء على اسم التأمين الإسلامي بدلا من التعاوني الموجود في الغرب وبأسس غير التي يعمل من خلالها، وطالب في توصياته بتأسيس هيئات ذات صلة بصناعة التأمين الإسلامي لتعمل وفق المنهج الإسلامي كهيئات سمسرة التأمين ومكتتبي التأمين، وكذلك إنشاء مؤسسات إعادة التأمين الإسلامية لتفي حاجة شركات التأمين المباشر من خدمات إعادة التأمين، حيث ستكون شركات الإعادة الإسلامية ذات مقدرة مالية وفنية عالية مقارنة بشركة التَّأمين المباشر. وأشار
الخبير في شؤون البورصة وشركات التأمين عبد الفتاح محمد صلاح
إلى أن مصطلح التأمين التعاوني جاء من رحم النظام الاقتصادي الغربي، وهو يعبِّر عن نوع من أنواع التأمين التقليدي الذي لا يلتزم بأي ضوابط شرعية وفقا لواقعه الغربي، كما أن تطبيقات التأمين التعاوني لم تحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت التطبيقات أقرب إلى التأمين التجاري منها إلى التأمين التعاوني، وفوق هذا جاءت مخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، ودعا
عبد الفتاح إلى إعادة صياغة اللوائح التنفيذية والعقود الاسترشادية لتنص على أن العلاقة في عقد التأمين قائمة بين هيئة المشتركين وشركة التأمين، وليست علاقة مباشرة بين المؤمن لهم والمؤمن، والنص صراحة على نوع العقد الذي يحكم هذه العلاقة من الناحية المالية، ودعا إلى تعديل الأوعية الاستثمارية المنهي عنها شرعا لوجود علة الربا، مثل الودائع لدى البنوك المحلية، وجميع أنواع السندات، وأهمية إلغاء النص المتعلق بترحيل 90 في المئة من صافي الفائض إلى قائمة دخل المساهمين، بجانب تعديل البند الخاص بحدود التغطية الوارد في وثيقة الضمان الصحي التعاوني، وأوصى عبد الفتاح بالاهتمام بالتدريب العملي للعاملين للاستفادة مما لديهم من المعلومات العلمية والشرعية عن التأمين، وإنشاء مكتبة إلكترونية تسهل الاستفادة منها، تحتوي على كل ما يتعلق بالتأمين عامة وتطور التأمين التعاوني خاصة، لتكون في متناول العاملين في أي وقت إذا أشكل عليهم أمر عند التطبيق.