منذ زمن بعيد مضى كان هناك شجرة كبيرة مثمرة ,وكان هناك طفل صغير يلعب حول هذه الشجرة ويتسلق أغصانها ويأكل من ثمارها ثم يغفوقليلاً لينام في ظلها , وكان من شدة ارتباطه بها يحلم أنه يكلمها وتكلمه ويسألهاعن كل ما يعن له وتجيبه ويستنصحها فتنصحه.
واستمرت العلاقة هكذا لسنوات عديدة , ولا أدريهل كان الطفل يحب الشجرة أم أنه فقط يلهو ويلعب ويأكل من ثمرها ؟ ولكن ما أعلمهبيقين هو أن الشجرة كانت تحب الطفل بكل تأكيد , وتبرهن على حبها بالسماح لهبالتسلق على أغصانها وتمنحه ثمارها وتحميه من حرارة الشمس بظلها .
مر الزمن وكبر الطفل وأصبح شاباً . وفي يوم منالأيام جاء الشاب وجلس في ظل الشجرة مهموماً , فقالت له الشجرة : لماذا لم تعدتلعب حولي وتأكل من ثمري كما كنت تفعل من قبل ؟ فأنا لا أحب أن أراك مهموماً وحزيناً! فأجابها الشاب : لم أعد ولداً صغيراً لألعب من حولك وأكل من ثمرك , فقد كبرتوأصبح لي متطلبات أخرى وعلي التزامات كثيرة وأحتاج إلى المال لأحققها . فقالتالشجرة : لا يوجد معي مال لأعطيه لك , ولكن يمكنك أن تأخذ ثماري كلها لتبيعهاوتحصل على المال الذي تريد . فتسلق الشاب الشجرة وجمع كل الثمار التي عليها ونزلسعيداً , وذهب ليبيعها ونسى - لا بل لم يكن مهتماً - أن يشكر الشجرة على صنيعهامعه وذهب حتى دون أن يسلم عليها , وطال الغياب والشجرة في غاية الحزن.
وذات يوم رجع الشاب للشجرة ولكنه لم يعد شاباًبل أصبح رجلاً , وكانت الشجرة في منتهى السعادة لعودته ظناً منها بأنه عاد إليهاليشكرها بعد أن عرف فضلها عليه . قالت له : تعال اجلس معي قليلاً , فأجابها قائلاً: ليس لدي وقت لأضيعه في الاستماع إلى نصائحك التي أعرفها , فقد أصبحت رجلاًوسأكون عما قريب مسئولاً عن أسرة وأولاد , وأحتاج الى بيت ليكون لهم سكناً ومأوى ,ونفذ المال , فماذا أصنع ؟ فقالت الشجرة : أنت تعلم أني لا أملك بيتاً لأمنحك إياهولكن يمكنك أن تأخذ جميع أغصاني وأفرعي لتبني لك بها بيتاً . تهلل الشاب لذلك وأخذ يقطع أفرع الشجرة وهو يشعر بسعادةغامرة , وتركها وانصرف كعادته دون شكر أو سلام .
ثم عاد إليها بعد فترة غير بعيدة ليخبرها أنهسيتزوج ليكون له أسرة وأولاد بعد أن أصبح له بيت , فسعدت الشجرة بهذا الخبر كما لمتسعد من قبل , ولما لا والفرح فرحها هي ؛ فقد تم الإعداد له من ثمن ثمرها والبيتقد جهز من أغصانها وفروعها , كما أن زواجه سيجعله يهدأ ويستقر , وعندما يرزقبأولاد سيحضرهم ليلعبوا حولها من جديد . وهكذا عاشت الشجرة للحظات قليلة في أحلامجميلة ممتدة لسنوات طويلة . وحين أفاقت من حلمها اللحظي قالت له بكلمات حانية : أنتمقبل على حياة جديدة وأريد أن أنبهك بشأن بعض الأمور والتصرفات التي تصدر عنكوالتي لطالما أخبرتك أنها تسبب لك ولمن أحبوك المتاعب لكي تتجنبها حتى تسعد فيحياتك الجديدة , ولا تنسى أني أعرفك منذ كنت طفلاً وأعرف طباعك , كما أن لدي خبرةطويلة في الحياة ....
لم يدعها تكمل كلامها وقاطعها غاضباً قائلاًفي صيغة آمرة : أنا لا أحب أن يتدخل أحد في حياتي ولا أحتاج إلى نصائح , وعليك أنتسمعيني .. ما حضرت إليك إلا لأدعوك لزواجي حتى تستعدي لحضوره فلا أريد أن يسألالناس أين الشجرة , ولأخبرك أني أريد مركبا لأبحر به حيث حريتي بلا مسئولية أوقيود لكي أحقق طموحي بعيداً عنك , فقد كرهت تذكيرك لي بالمسئولية كلما حضرت إليك .قالت الشجرة دون تردد وبفطرة من يعطي بلا حدود رغم الألم الذي يعتصرها من الطعنةالتي تلقتها منه : يمكنك أخذ جذعي لبناء مركبك , وبعدها أبحر به أينما تشاء لتحصلعلى سعادتك الموهومة . لم يتريث لبرهة أو يفكر للحظة وأخذ يقطع جذع الشجرة دونرحمة أو شفقة وكأنه ينتقم من عدو لدود , ولم يدري أنه حينما قطع الجذع قطع معه كلمعنى جميل كان في الماضي . وصنع مركبه وسافر مبحراً إلى البعيد المجهول .
ومضت السنون , وأخيراً عاد بعد غياب في يومككل أيام عودته ناقماً متذمراً . فاستقبلته الشجرة في ألم وحسرة وابتدرته قائلة : معذرةيا هذا , لا يوجد عندي ثمر لأضيفك به أو جذع لتجلس عليه أو أي شيء لأمنحك إياه أوأساعدك به , وأنا أعلم أنك دائما تأتيني متعجلاً وتريد أن تحصل على ما تريد , فأناأوفر عليك الوقت وأخبرك أنه ليس عندي ما أعطيه لك لتسعد به , واستطردت - وهي تبكي- قائلة : لم يعد لدي إلا جذور ماتت منذ زمن . لكنه لم يتركها تبكي وكأنه استكثرعليها حتى البكاء الذي قد يريحها , فقال لها مقاطعاً بصوته المرتفع : عدت إليكاليوم وقد أشقتني وأتعبتني الحياة , وأحتاج إلى الراحة ولا أريد أن يزعجني نحيبك .فكتمت الشجرة بكاءها داخلها ولسان حالها يقول له إن الحياة لا تشقي ولا تسعد أحد ,ولكن الذي يسعد ويشقي هو الله عطاءاً أوعقاباً على الأقوال والأفعال التي تصدر منالإنسان , وهكذا أنت دائماً تريد أن تلقي بتبعية تصرفاتك على غيرك , فإن لم تجد منتلقيها عليه تنقم على الحياة ذاتها .
ثم نظرت إليه وقالت : إن جذوري ذات الشعورالميتة هي أنسب مكان لك انزل وتوارى معها ليرتاح العباد منك ومن ظلمك . قالتهاالشجرة والدموع تملأ عينيها ليس حزناً على نفسها فهي مخلوقة للعطاء , حتى حينماتقذف بالحجر تلقي بالثمر , وإنما قالتها حزناً عليه وعلى ما ضاع من عمره وكانيمكنه أن يستفيد منه لغده وأن يجنب نفسه ومن حوله الحزن ويعيش في الحياة معهم فيسعادة وهناء . كما كان يستطيع أن يستفيد من تجارب الآخرين ونصائح المخلصين , ثم تنهدتعميقاً وقالت : آآآآآآآآآه لو كان يسمع أو يعتبر !!
هل تعرف من هي هذه الشجرة ؟
إنها الوطن أيها الحاكم .. الوطن الذي منحكحقك طوعاً ولكنك جشعت فنهبت حقوق الآخرين غصباً وكرهاً , نعم الوطن الذي انخدعباقي أبنائه بوعودك الكاذبة لهم بأنك تعمل على تلبية حقهم في حياة كريمة تحقق لهممكانة يفخرون بها بين الدول المتقدمة فصدقوك ووثقوا فيك وهتفوا لك بالروح والدموالفداء , فلما تمكنت من الرئاسة تعاليت عليهم وعاملتهم كالعبيد , وظنوا أنك تعمل خادماًلمصالحهم فإذا بك تنهب ثرواتهم لتحقق مصالحك ومصالح من حولك من الفاسدين , وتعاملوامعك كراعي مسئول عنهم فإذا بك ذئب متربص بهم , وطلبوا منك ونصحوا لك في إشفاق بأنتتبع فيهم سبيل الإصلاح لتحقيق العدالة والكرامة فقابلت طلبهم بعناد , فلما فاضبهم الكيل من الظلم خرجوا إلى الشوارع بالملايين مطالبين بالتغيير السلمي فقابلتهموأعوانك من البلطجية بالقتل وسفك الدماء والترويع الممنهج للتشبث بالحكم . ألمتدرك بعد أن الحكم لا يقوم على أشلاء الشعوب ! ........ فإلى متى ؟ .
تنويه : هذه القصة مستوحاةمن قصة " الطفل وشجرة التفاح " المنشورة على الإنترنت . أما الوقائع والأحداثفهي حقيقة مؤلمة شاهدها وعايشها جميع أبناء الوطن , فأردت أن أنقلها في صورة رمزيةوأوثقها كتابة طالباً من كل من يقرأها أن يستفيد من العبر التي فيها فيترك السلبيةويشترك في مقاومة الظلم وتطهير الوطن من المفسدين , ويساهم في الإصلاح والبناء ليتوقفبكاء الوطن على نزيف دماء أبنائه , وأذكر الجميع بألا يغفلوا عن الدعاء بأن يحفظ اللهالوطن وأبنائه من كل سوء .