انتهى المشاركون في الملتقى الثاني للتأمين التعاوني الذي نظمته الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الرياض، إلى حقيقة التأمين التعاوني من خلال تعريفه، وتمييزه بين مفهوم التعاون ومفهوم التبرع.
ورأى المشاركون أن التعاون المكون للتأمين التعاوني ليس تبرعا محضا ولا معاوضة محضة، بل له معنى مستقل أساسه التعاون والاشتراك في درء آثار المخاطر.
أما بخصوص الذمة المالية لصندوق التأمين، فرأوا أن توافر الذمة المالية المستقلة لصندوق التأمين التعاوني هو الأنسب للتطبيقات المعاصرة في التأمين التعاوني، ولكنه لا يعد شرطا لصحة كون التأمين تعاونيا؛ مع التأكيد على ضرورة الفصل بين حساب التأمين (حملة الوثائق) وبين حساب المساهمين الذي يعد من أهم مبادئ التأمين التعاوني.
كما تداول المجتمعون عدة تعريفات للفائض التأميني، وهو ما يتبقى من موارد صندوق المستأمنين وعوائدها بعد خصم المصروفات والتعويضات. وفيما يتعلق بالتحايل على استهلاك الفائض التأميني، فيجب الحفاظ عليه ولا يجوز التحايل للوصول إلى استهلاك الفائض من قبل الشركة المديرة، إذا كانت وكيلا بأجر مرتبط بنسبة مئوية من اشتراكات الصندوق.
وأشاروا إلى أهمية التمييز بين الحالات الاستثنائية والطارئة في تجارب التأمين التعاوني وتطبيقاته الحالية وبين الأصل العام، الذي ينبغي أن يقوم عليه التأمين التعاوني.
واعتبر المشاركون أن هناك مسائل ما زالت تحتاج إلى بحث، كإدارة المخاطر في التأمين التعاوني، والعجز في صندوق التأمين ووسائل علاجه والبدائل المناسبة التي تتفق مع حقيقة التأمين التعاوني.
وأوصوا بأهمية التنظيم والحوكمة، مع ضرورة إصلاح الأنظمة والتشريعات التي تحكم أعمال التأمين التعاوني، وإصدار تنظيمات الضبط الشرعي لهذه الصناعة، مطالبين بإنشاء هيئة حكومية منفصلة، تكون هي الجهة الإشرافية والرقابية على أعمال التأمين التعاوني وتطويرها، كما يمكن الاستفادة من أشكال وتطبيقات التأمينات الحكومية والإفادة منها في تطبيقات التأمين التعاوني.
كما أوصوا شركات التأمين والباحثين والمختصين والجهات ذات العلاقة بالابتكار وتطوير المنتجات المستقبلية، وابتكار صيغ تأمينية تعاونية جديدة، مع استمرار مثل هذه الملتقيات المتخصصة في موضوع التأمين التعاوني بما يحقق دراسته دراسة تفصيلية ومناقشة نوازله.
وانتهوا بتكوين لجنة صياغة تتألف من الدكتور علي محيي الدين القرة داغي رئيسا، وعضوية كل من الدكتور السيد حامد والدكتور سامي السويلم، والدكتور عبد الله العمراني والدكتور عبد الله سليمان الباحوث، وياسر المرشدي.
من جانبه, أكد الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، الباحث الشرعي المعروف ورئيس عدد من الهيئات الشرعية، أن التأمين الإسلامي التكافلي خطا خطوات جادة في مجالات التنظير، والتطبيق والقبول لدى معظم الأفراد، والمؤسسات، مشيرا إلى أن عددها ازداد بشكل لافت للنظر، وبنسب تتراوح بين 15 و20 في المائة، لتصل قيمة التأمين الإسلامي في عام 2015 إلى 7.4 مليار دولار.
وأضاف القرة داغي أن المنتجات التكافلية شملت مختلف مناحي الحياة، فرفعت الحرج عن الملتزمين، ولم تعد هناك مبررات لعدم الالتزام بالتأمين الإسلامي في معظم الدول.
وزاد الشيخ القرة داغي أن التأمين الإسلامي يختلف جذريا عن التأمين التجاري في أكثر من عشرة فروق جوهرية، أهمها في الجانب العملي، مسألة الفائض، موضحا أنه يعني الناتج العملي البارز في التفرقة العملية المحسومة بين التأمين التكافلي الإسلامي المشروع، والتأمين التقليدي المحرم حسب قرارات المجامع الفقهية.
واستعرض في ورقته ميزة التأمين التكافلي والتكييف الفقهي للفائض، والتصرف في الفائض التأميني، بالإضافة إلى توزيع الفائض وتطبيق عملي لتوزيع الفائض ومكونات الفائض التأميني وكيفية توزيعه.
وأوضح أسس توزيع الفائض وكيفية توزيع فائض محفظة التكافل, بالإضافة إلى توزيع فائض محفظة التكافل، ومن ثم المعادلات الحسابية لتوزيع الفائض, فالتحفيز بالفائض التأميني، وأخيرا العجز التأميني وكيفية تغطيته.
وتحت عنوان «إدارة الغرر في التأمين الإسلامي», أوضح الدكتور عبد الرحيم الساعاتي في ورقته, أنه لا يوجد اتفاق على تعريف الخطر، مبينا أنه يختلف من حقل إلى آخر ومن تخصص إلى آخر، وعلى الرغم من أن الخطر هو الاحتمال والشك أو عدم التأكد، فإن الساعاتي قال, إذا كان في عقود البيوع فقد يسمى غررا، ولكن ليس كل خطر غررا.
وقال الساعاتي ليس كل غرر خطرا، والغرر كما يعتقد يعني الجهالة أو عدم التأكد في الصيغة أو المحل في عقود البيع الحالية والآجلة، بما في ذلك عقد السلم والاستصناع والإجارة، مضيفا أن الغرر يقع في عقود التبرعات كالهبة والرهن وعقود التعاون مثل شركة المفاوضة وشركة النهد، وإن كان الغرر غير مؤثر في عقود التعاون والتبرعات، ولا يعتبر من الغرر المحرم، الغرر في عقود التعاون مثل عقد المضاربة وشركة العنان والمفاوضة، والمزارعة والمساقات.
أما الدكتور موسى مصطفى القضاة، العضو التنفيذي لهيئة الرقابة الشرعية, من شركة «البركة» للتكافل في الأردن، فأكد في ورقته «التكييف الفقهي للتأمين الإسلامي»، أنه مع ظهور الأزمة المالية العالمية أواخر عام 2008، تصاعدت صرخات الاستنجاد بالاقتصاد الإسلامي في الغرب قبل الشرق، مشيرا إلى أن المسلمين رأوا فيه فرصة جديدة لتطبيق نظريات الاقتصاد الإسلامي.
ومن المسائل التي ما زال الجدل محتدما حولها في التأمين الإسلامي في رأي القضاة، مسألة تكييف العلاقة فيما بين حملة الوثائق «المشتركين»، فمن فريق يعدها علاقة معاوضة، إلى آخر يعدها علاقة تبرع، وبين هذين الطرفين آراء.
وبحسب الدكتور السيد حامد حسن محمد، نائب المدير العام لشركة «البركة» للتأمين في السودان، فإن مسيرة التأمين الإسلامي بدأت منذ عام 1979، ولكن بعد مرور عقد من بدايتها شغف العالم بها وشغلت بال الكثيرين، ونتيجة لهذا الشغف والانشغال تسارعت خطى انتشار التأمين الإسلامي حتى تجاوزت مؤسساته اليوم مائتي شركة تنتشر في كل قارات العالم وأصبح مركزها وانتشارها الكثيف منطقة الشرق الأوسط.
وتابع السيد في ورقته التي جاءت تحت عنوان «مسيرة التأمين التعاوني الإسلامي - المشكلات والحلول»، أن شأنها شأن الأمور التي نشأت لأول مرة، فلا بد أن تواجهها بعض المشكلات والعقبات، لهذا دائما يكون الهدف من تقويم وتقييم المسيرة هو الوصول إلى أماكن الخلل والعمل على وضع الحلول المناسبة التي إذا أخذ بها ستمضي بالمسيرة إلى آفاق أرحب وأوسع.
وقال السيد إنه على يقين أن مسيرة التأمين الإسلامي هي التي ستسود العالم مستقبلا «وهذا اليقين لعلنا نلمس بشائره، حيث غدا العالم اليوم مهتما بأمر الاقتصاد الإسلامي، بل يسعى سعيا حثيثا لتطبيق أدواته وسيزداد هذا السعي بعد أن مر الاقتصاد الإسلامي بنجاح، من الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي هزت العالم في الفترة 2007 – 2010».
ولتحقيق سيادة التأمين الإسلامي لنظم التأمين الأخرى، قال السيد: لا بد من مراجعة انطلاقته لتحسين وتمتين مسيرة هذه الانطلاقة بإزالة ومعالجة ما يعترضها من مشكلات وعقبات، مع ضرورة أن تبادر الجهة التي بدأت فيها هذه المسيرة بالتقويم والتقييم.
من جانبه دعا الخبير في شؤون البورصة وشركات التأمين، عبد الفتاح محمد صلاح، في ورقته «إشكالية عملية في وجه التأمين التعاوني والحلول المقترحة لها»، إلى الاهتمام بمسألة إعادة التأمين وتفعيل الجانب الرقابي على التنفيذ، وذلك بتأهيل الكوادر الفنية من الناحية الشرعية بالتعاون مع الكليات والمعاهد الشرعية، مع ضرورة وضع حلول للمشكلات العملية المتعلقة بالأنظمة واللوائح التنفيذية والوثائق الاسترشادية الصادرة عن الجهات الرسمية.
وكذلك إعادة صياغة اللوائح التنفيذية والعقود الاسترشادية لتنص على أن العلاقة في عقد التأمين «الوثيقة» قائمة بين هيئة المشتركين وشركة التأمين، وليست علاقة مباشرة بين المؤمن لهم والمؤمن, مع النص صراحة على نوع العقد الذي يحكم هذه العلاقة من الناحية المالية. كما دعا عبد الفتاح إلى تعديل الأوعية الاستثمارية المنهي عنها شرعا لوجود علة الربا، مثل ودائع لدى البنوك المحلية، وجميع أنواع السندات، مع أهمية إلغاء النص المتعلق بترحيل 90 في المائة من صافي الفائض إلى قائمة دخل المساهمين، بجانب تعديل البند الخاص بحدود التغطية الوارد بوثيقة الضمان الصحي التعاوني.
وتابع أنه يجب أن تضاف إلى النص الجهة التي تتحمل الزيادة عن حدود التغطية، باعتبار أن الزيادة عن حدود التغطية جائحة، وأن الحفاظ على النفس مقدم على حفظ المال.
كما دعا إلى تعديل البند الخاص بإعادة التأمين، لتكون الإعادة بنسبة 100 في المائة داخليا، منها نسبة 30 في المائة بين شركات الإعادة والباقي يكون مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أو أي جهة داخلية أخرى، وذلك للمحافظة على أموال الاشتراكات بالداخل لتستخدم في التنمية.
وأوصى عبد الفتاح بالاهتمام بالتدريب العملي للعاملين، حتى يمكن الاستفادة مما لديهم من المعلومات العلمية والشرعية عن التأمين، وإنشاء مكتبة إلكترونية يسهل الاستفادة منها تحتوي على كل ما يتعلق بالتأمين عامة وتطور التأمين التعاوني خاصة، لتكون في متناول العاملين في أي وقت إذا أشكل عليهم أمر عند التطبيق.
وخلص عبد الفتاح إلى أن مصطلح «التأمين التعاوني» ولد من رحم النظام الاقتصادي الغربي، ويعبر عن نوع من أنواع التأمين التقليدي الذي لا يلتزم بأي ضوابط شرعية وفقا لواقعه الغربي، كما أن تطبيقات التأمين التعاوني لم تحقق صيغة التأمين التعاوني التي وردت في الفتاوى الشرعية، وبالتالي جاءت التطبيقات أقرب إلى التأمين التجاري منه إلى التأمين التعاوني، وفوق هذا جاءت مخالفة لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني في مادته الأولى التي تنص على عدم التعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
من ناحيته، استعرض الدكتور علاء زعتري، أمين الفتوى عضو اللجنة الاستشارية العليا للإشراف على أعمال التأمين في سورية، في ورقته «الفروق المؤثرة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، وأهمية قطاع التأمين كمكون أساسي في القطاع المالي لكل اقتصاد»، موضحا أن أهميته زادت مع التوسع في أعمال التأمين والتعامل مع شركاته، كما أصبح التأمين جزءا مكملا للنظام المصرفي، مشيرا إلى أنه لا يقل أهمية، من حيث الأصول المتداولة لديه، ومن حيث الموارد المالية، خاصة السيولة التي استطاعت شركات التأمين الوصول إليها وجمعها.
وأوضح زعتري أن الأساليب والأعمال الفنية التي تقوم بها شركات التأمين تطورت، حيث ظهرت أعمال إعادة التأمين والشركات التي تقدم الخدمات المتصلة بها، مؤكدا أن القول المتفق عليه قبل الدخول في التفاصيل الفقهية أن عقد التأمين هو أحد العقود المستحدثة التي لم تكن معروفة لدى الفقهاء من قبل.
وقال زعتري إنه في عالم الاقتصاد اليوم باتت الشراكات والاندماجات والتوافقات هي الأصل، ولم يعد الاقتصاد يقوم على جهود الأفراد فحسب، موضحا أنه سواء كانت هذه الشراكات معلنة بالمعنى القانوني، أو خفية ومستترة.
ولخص زعتري الآثار الاقتصادية لانتشار التأمين في المجتمع في زيادة إقدام أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار، بسبب وجود برامج فعالة للتأمين على الأصول والممتلكات، حيث تعمل على تقليل المخاطر التي يواجهها أصحاب رؤوس الأموال، فيصير بإمكانهم حصر ما يواجهونه من مخاطر بتلك المتعلقة بالعمل التجاري فحسب، فيزداد مستوى تخصصهم وخبرتهم.
كما أن التأمين، والحديث لزعتري، يحسن مستوى السلامة، ذلك لأن لشركات التأمين مصلحة دائمة في تقليل الحوادث، وسد الذرائع من وقوع المكروه وتفادي أسباب حدوث الخسائر، ويقتضي هذا تمويل الأبحاث وتطوير البرامج والإجراءات التي تولد الحوافز، لدى المشتركين بالاهتمام بالسلامة، واشتراط إجراءات يلتزم بها المستأمنون.
وجاء في ورقة الدكتور محمد سعد الجرف، الأستاذ في جامعة أم القرى «برنامج تكافل الأهلي والادخار بالاشتراكات المنتظمة»، التي استهدف بها تقويم عقد التكافل المقدم من قبل شركة «الأهلي» للتكافل من الناحية الشرعية، تبين أن التأمين هو المقصد الأساسي من العقد، وأن الاستثمار عقد تابع.
كما تبين أن العقد عقد تأمين تقليدي على الحياة، وأنه يقوم على المعاوضة، وأن فيه جمعا بين بيع وشرط، وفيه بيعتان في بيعة. كما تبين أن الهدف من العقد بالنسبة للمشترك هو الحصول على مبلغ معين من المال من قبله، أو من قبل المستفيد الذي يسميه.
وأوضح الجرف أنه وجد أن عقد التكافل عقد تأمين تقليدي على الحياة، لاتفاقهما في المفهوم، والأركان، والمبادئ القانونية، والأسس التي يستندان إليها, كما يهدف المشترك من شراء العقد إلى الحصول على مبلغ معين إذا بقي حيا إلى نهاية العقد، وحصول المستفيد الذي يسميه على مبلغ معين إذا توفي المشترك قبل انتهاء العقد.
وفي ورقته «النموذج المختلط للعلاقة بين شركة الإدارة وصناديق التكافل - المشكلات والحلول» أكد خبير التأمين التكافلي ناصر عبد الحميد أن العقود الأربعة الأخيرة شهدت التطبيق العملي للاقتصاد الإسلامي، وقد أخذ هذا التطبيق شكل مؤسسات مالية سواء مصارف أو شركات تأمين تكافلي وشركات إعادة تأمين تكافلي.
وأشار إلى أن حجم أعمال التأمين التكافلي بلغ عالميا، حسب تقديرات شركة «أرنست ويونج» التي قدمت ضمن القمة العالمية الخامسة للتكافل في دبي 2010، نحو 8.8 مليار دولار، مقابل 5.3 مليار دولار عام 2008، وأن معدل النمو العالمي المركب لصناعة التكافل علي مستوي العالم يبلغ 39 في المائة، وفي منطقة الخليج يصل إلي 45 في المائة.
ويعتقد عبد الحميد أن صناعة التأمين التكافلي بدأت في ترسيخ مفاهيمها وساعدت علي قيام صناعة لإعادة التأمين التكافلي، مشيرا إلى أنه تأسست في البحرين شركة «هانوفر ري تكافل» وفي ماليزيا تم تأسيس شركة «ميونخ ري تكافل» وعدد آخر من شركات إعادة التكافل.
|