لا يخفى على أحد ما تمر به مصر من أحداث أثرت في الأقتصاد العالمي بصورة مباشرة ووقتية فارتفعت أسعار البترول وانخفضت البورصات العالمية .
وأثرت داخلياً فانخفض سعر الجنية مقابل العملات الاخرى , وتبخرت مليارات الجنيهات من أموال المصريين البسطاء نتيجة خسائرهم الناتجة عن انخفاض قيمة الأسهم , وازداد الوضع تأزماً باغلاق البنوك أبوابها ووقف التداول في البورصة .
وأهم ما يشغلني الآن هو التحذير من التداعيات السلبية المتوقعة لهذه الأحداث على الاقتصاد المصري في الوقت الراهن خاصة بعد ظهور مبشرات كثيرة على انفراج الأزمة والبدء في عودة النشاط الاقتصادي , فقد فتحت البنوك أبوابها تدريجيا ًووفقاً لسياسة رقابية محكمة من البنك المركزي المصري تحد من السحب وتحويل الأموال لحين استقرار الأوضاع وإنهاء حالة الاحتقان الموجودة في الشارع وهي خطوة سليمة في الطريق الصحيح .
أما الإعلان عن إعادة فتح البورصة أبوابها للمتعاملين يوم الأربعاء 16/2/2011 فهذا هو محل التحذير . ففي رأيي المتواضع أن تظل البورصة مغلقة لحين إنتهاء حالة الاحتقان تماماً وعودة الحياة إلى سابق طبيعتها وإعادة تنظيم العمل في البورصة وفق ضوابط وآليات جديدة تحمى الاقتصاد المصري من تقلباتها , وتجعلها وسيلة لدعم الاقتصاد العيني وإقامة المشروعات التنموية الحقيقية بدلاً من وضعها الحالي الذي لا يمثل أي اضافة للاقتصاد القومي , وليس في هذا عيب فالولايات المتحده الأمريكية بعد أحداث سبتمبر أغلقت البورصة وأوقفت البيع القصير short sale بعد إعادة افتتاحها .
لذا فاستمرار إغلاق البورصة لا يشكل أي ضغط على الاقتصاد فقد ظلت البورصة المصرية مغلقة لسنوات طويلة دون أي تأثيرات سلبية جوهرية على الاقتصاد المصري , لأنها في الحقيقة لا تمثل سوى نقل ذمم مالية بين الأفراد المتعاملين دون أن يكون لها أي تأثير ايجابي على الاقتصاد العيني , وعلى العكس من ذلك فإن الذي يشكل ضغط على الاقتصاد هو فتحها في الوقت الراهن , لأنها ستكون بمثابة البوابة الخلفية لتهريب الأموال إلى الخارج عن طريق عمليات "الاربيتراج" الذي يعني تجارة المراجحة أو الموازنه وهي إعطاء الحق للمتعامل في البورصة من شراء الأسهم في مصر وبيعها في لندن وبذلك يستطيع كل من له أغراض فاسدة من القيام بعمليات شراء قوية عند الافتتاح وبأسعار متدنيه نظراً للظروف القائمة وتحويل هذه الأسهم إلى شهادات إيداع دولية وبيعها في بورصة لندن , أو عن طريق "اربيتراج المضاربة" على فروق الأسعار بين الأسهم الأجنبية المتداولة بالسوق الانجليزية وصورها الافتراضية بالسوق المصرية خلال فترات تداول احدى السوقين أثناء توقف الأخرى عبر آليه cross board trading وهذه التعاملات تسمح بتهريب الأموال الي الخارج دون رقابة فعالة من البنك المركزي في أوقات الأزمات .
أما في الأحوال الطبيعية فإن خسائر المغامرين من المصريين المتعاملين في البورصة تؤدي إلى استنزاف رؤوس الأموال من الاقتصاد المصري الحقيقي لصالح مغامرين بالخارج ولأن المراجحة التنظيمية "الاربيتراج" تجعل الجهة التي تتم مراقبتها تميل إلى أن تكون نشاطاتها التي تقوم بها تحت رقابة أضعف حلقة في نظام المراقبة , وحيث أن رقابة البنك المركزي منصبة على التحويلات عن طريق البنوك فستكون تعاملات البورصة هي أضعف حلقة في النظام الرقابي والذي ستنفذ منه الأموال إلى الخارج لذا وجب التحذير .
عبد الفتاح محمد صلاح
مشرف موقع الاقتصاد العادل