نشرت جريدة اليوم السابع في عددها المؤرخ 30/8/2011 , أن الأستاذ / أحمد أبو جبل رئيس شعبة الأدوات المكتبية بالاتحاد العام للغرف التجارية , تقدم إلي المجلس العسكري لفتح تحقيق حول واقعة تهريب الصين لكميات كبيرة من العملات المعدنية تشبه في شكلها الجنيه المصري المعدني , والذي تم دخوله مؤخراً عبر شحنات من لعب الأطفال المستوردة من الصين , وتبلغ تكلفته في الصين ما يوازي ربع جنيه مصري في حين يتم تهريبه وتسويقه داخل مصر بما يوازي 80 قرشاً وهو ما يحقق ربح يتعدى 200% .
إمبراطورية الفساد مستمرة
في البداية لي ملاحظة على ما جاء بالخبر من أن الصين تهرب كميات كبيرة من العملات المعدنية تشبه في شكلها الجنيه المصري المعدني , الخبر بهذا الشكل يجعل الصين كدولة محل اتهام بتقليد وتزييف الجنيه المعدني المصري وهو اتهام خطير يحتاج إلى إثبات لأنه يؤثر على العلاقات بين مصر والصين , لذا أتصور أن المقصود هو أن بعض المستوردين المصريين الفاسدين من أصحاب الذمم الخربة بالتعاون مع بعض المصنعين والمصدرين الصينيين هم الذين هربوا هذه الكميات الكبيرة من الجنيه المعدني المقلد في الصين إلى مصر لتحقيق مكاسب خاصة محرمة ومجرمة على حساب مصلحة الوطن وتدمير اقتصاده .
الملاحظة السابقة تضع الأمور في نصابها الصحيح وتؤكد على أن إمبراطورية الفساد المستمرة منذ ثلاثون عاماً لم تتوقف حتى الآن , ففي فترة ما قبل ثورة يناير كانت الأدوية الجنسية والمخدرة المهربة مثل " الفياجرا والترامادول " تغرق الأسواق المصرية وتدخل عن طريق لعب الأطفال أيضاً وقد تم اكتشافها أكثر من مرة من خلال الشحنات الواردة من الصين , أما بعد الثورة فقد تقلص تهريب الأدوية إلى الداخل أمام الجنيه المعدني المقلد , وزاد تهريب النقد الأجنبي إلى الخارج عن طريق عمليات " الأربيتراج " في البورصة .
لعب الأطفال وسيلة مبتكرة للتهريب
التفاصيل المذكورة في الخبر توضح حقيقة مهمة مفادها أن شحنات لعب الأطفال القادمة من الصين إلى مصر تعد ملعباً خصباً للعديد من صور التهريب وذلك لأنها تستورد في حاويات كبيرة " كونتينرات " يمكن التهريب فيها دون الخضوع للمراقبة الدقيقة نظراً لصعوبة تفتيش اللعب لأن تفتيشها يحتاج إلى تفكيكها وقد يؤدي ذلك إلى إتلافها وهو ما يدفع العديد من المهربين إلى اتباع هذه الطريقة في التهريب .
كيف تكتشف الجنيه المزيف
الجنيه المزيف يشبه الجنيه الحقيقي تماماً ويصعب اكتشافه شكلاً بسبب دقة تصميمه في أحدى وجهيه ولكن من الجهة الأخرى الجنيه المزيف مطبوع عليه وجه لتمثال يوناني قديم وليس لوجه الفرعون التقليدي الذي نعرفه والمنقوش على الجنيه المصري الحقيقي , والجنيه المزيف خفيف الوزن وفاتح اللون بالمقارنة بالعملة المعدنية المصرية .
احذر الانزلاق في الخطر !
نظراً لأن مهربي العملات المعدنية المزيفة يريدون التخلص منها بسرعة قبل اكتشاف أمرهم وخاصة مع ضخامة الكميات المهربة , فإنهم يستخدمون عدة طرق لترويجها ومن أهمها وأكثرها شيوعاً اختيار أشخاص معروفين ومشهود لهم بالسمعة الطيبة ليقوموا بترويج الجنيهات المعدنية المزيفة , ويتم ذلك عن طريق إقناعهم بقصة مفبركة عن وجود رصيد كبير من العملات المعدنية متراكم لدى بعض التجار من إيرادات المبيعات اليومية الناتجة من التعامل المباشر مع الجمهور , وأن البنك لا يقبل منهم إلا توريد قدر معين يومياً للحساب وبالتالي هم يريدون التخلص منها في مقابل الحصول على العملة الورقية اللازمة لتسيير أعمالهم , ولا مانع لديهم من استبدالها بأقل من قيمتها والفرق في ثمن الاستبدال يعتبر ربح للمستبدل , مما يغري الكثيرين من حسني النية أو الطامعين في الربح السهل إلى الانزلاق في الخطر الذي يعرضهم للمسائلة القانونية والعقوبة الجنائية .
العملة المزيفة تخرب الاقتصاد
من المعلوم أن زيادة كمية النقود المتداولة في الاقتصاد دون أن يقابلها زيادة في الإنتاج يؤدي إلى التضخم , هذا إذا كانت النقود غير مزيفة وتم إصدارها بمعرفة الدولة , أما إذا كانت النقود مزيفة ومهربة من الخارج فإن الأمر يتجاوز التضخم إلى عملية استنزاف لرصيد الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة لدى البنك المركزي , لأن من يهرب العملة المزيفة للداخل يريد أن يهرب ثمن بيعها عملة صعبة للخارج , وهو ما يعني إخراج نقد صافي من دائرة الاقتصاد دون الحصول على ما يقابله من سلع أو خدمات , وفي ذلك تخريب للاقتصاد القومي المصري.
الموقف الفقهي من مبادلة الأثمان ببعضها
بافتراض أن الجنيهات المعدنية ليست مزيفة وأن وجود رصيد كبير لدى صاحبها هو الدافع لاستبدالها بأقل من قيمتها الحقيقية بالجنيهات الورقية فإن هذه المعاملة لاتصح شرعاً لما يلي : كل معاملة فيها مبادلة شيئ بشيئ أخر ذو قيمة تسمى بيعاً في الفقه الإسلامي فإن كان كلاهما مالاً " كمبادلة الأثمان أو العملات ببعضها " سميت المعاملة صرفاً ولها نوعان أحدهما أن يكونا من نفس العملة والأخرى أن يكونا من عملة مختلفة .
فإن كانا من نفس العملة اشترط شرطان : التقابض بمعنى سلم واستلم في نفس مجلس العقد دون بقاء شيئ مؤجل ديناً في الذمة , والتساوي أي مائة بمائة وليس مائة بثمانين . وإن كانا من عملتين مختلفتين اشترط شرط واحد هو التقابض في مجلس العقد ولا يشترط التساوي فإن اختل الشرطان أو أحدهما كانت المبادلة ربا , فالإتجار بالعملات يحتاج إلي بصيرة بالحكم الشرعي وتحفظ شديد من الوقوع في الربا هذا والله أعلم .
نداء إلى الشرفاء من أبناء مصر
هذا نداء أوجهه إلى القائمين على شئون البلاد من أبناء مصر الشرفاء أعضاء المجلس العسكري بضرورة الكشف عن شخصية من قام بتقليد الجنيه المعدني المصري في الصين ومن قام باستيراده في مصر, على أن يكون ذلك في أسرع وقت ليطمئن الشعب المصري على أن ماحدث في قضية رشوة مرسيدس في عهد الرئيس المتنحي لن يتكرر مرة أخرى بعد الثورة , مع تقديم المشتركين في هذه الجريمة للمحاكمة العاجلة من تغليظ العقوبة لتصل إلى الإعدام لمن يزيف العملة في الداخل أو يستوردها مزيفة من الخارج .
وأناشد جميع المصريين الشرفاء عدم استيراد أو شراء السلع غير الضرورية من الخارج واستخدام العملة في تأسيس صناعات محلية لإنتاج السلع الضرورية واستيراد الآلات اللازمة لخطوط انتاجها بما يضمن توفير الآلاف من فرص العمل للعاطلين من الشباب , وأعتقد أن الشعب الذي صنع ثورة سلمية متحضرة تحدث عنها العالم بإعجاب يستحق أن يأخذ مكانته بين الدول المتقدمة , وقادر على تصنيع كل مايحتاجه من سلع انطلاقاً من إيمانه بالله واستناداً على أن العمل عبادة واعتماداً على عقول وسواعد أبنائه .
عبد الفتاح محمد صلاح
مشرف موقع الاقتصاد العادل