تعريف الشركة ومشروعيتها
يعرفها الأحناف بأنها عقد بين المتشاركين في رأس المال والربح [1]. وعرفها الحنابلة بأنها الاجتماع في استحقاق أو تصرف[2]. وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
ففي الكتاب يقول الله تعالى: " فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ[3]" ، وقوله تعالى: " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ "[4]، والخلطاء هم الشركاء.
وفي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول: " أنا ثالث الشريكين مالم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما "[5] رواه أبو داود.
وقد أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة[6].
أقسام الشركة
الشركة في الفقه الإسلامي ضربين:
أـ شركة الأملاك
وهي أن يمتلك أكثر من شخص عيناً من غير عقد، وهي إما أن تكون اختيارية أو جبرية.
فالإختيارية: أن يجتمع شخصان فأكثر في ملك عين باختيارهما كما إذا خلطا مالهما بالإختيار. أو أن يُوجَب لشخصين هبة أو يوصي لهما بشئ ( فيقبلا ) فيكون الموهوب والموصي به ملكاً لهما على سبيل المشاركة.
والجبرية: هي التي تثبت لأكثر من شخص جبراً (دون أن يكون لهم فعل) في إحداث الملكية كما في الميراث، فإن الشركة تثبت للورثة دون اختيار منهم وتكون الشركة بينهم شركة ملك.
حكم شركة الملك: في هذه الشركة لا يجوز لأي شريك أن يتصرف في نصيب صاحبه بغيـر إذنـه، لأنه لا ولاية لأحدهما في نصيب الآخر، فكأنه أجنبي[7].
ب ـ شركة العقود
هي أن يعقد اثنان فأكثر عقداً على الاشتراك في المال وما نتج عنه من ربح، وركنها، الإيجاب والقبول فيقول أحد الطرفين شاركتك في كذا وكذا ويقول الثاني قبلت.
أنواع شركة العقود
تنقسم شركة العقود إلى أربعة أنواع:
1- شركة المفاوضة[8]
هي التعاقد بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في عمل بالشروط الآتية:
أ- التساوي في المال، فلو كان أحد الشركاء أكثر مالاً فإن الشركة لا تصح[9].
ب- التساوي في التصرف، فلا تصح الشركة بين الصبي والبالغ.
ج- التساوي في الدين، فلا تنعقد بين مسلم وكافر.
د- أن يكون كل واحد من الشركاء كفيلاً عن الآخر، فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيلاً عنه، فلا يصح أن يكون تصرف أحد الشركاء أكثر من تصرف الآخر. فإذا تحققت المساواة في هذه النواحي كلها انعقدت الشركة وصار كل شريك وكيلاً عن صاحبه وكفيلاً عنه يطالب بعقدة صاحبه، ويسأل عن جميع تصرفاته.
وشركة المفاوضة أجازها الحنفية والمالكية ولم يجزها الشافعي، وقال: " إذا لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا " لأنها عقد لم يرد الشرع بمثله. وتحقق المساواة في هذه الشركة أمر عسير لما فيها من غرر وجهالة.
وصفتها عند الإمام مالك هي أن يفوض كل واحد منهما إلى الآخر التصرف مع حضوره وغيبته، وتكون يده كيده. ولا يكون شريكه إلا بما يعقدان الشركة عليه. ولا يشترط في المفاوضة أن يتساوى المال ولا أن لا يبقى أحدهما مالاً إلا ويدخله في الشركة[10].
2- شركة العنان
هي أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع ذكره ابن المنذر. وإنما اختلف في بعض شروطها، فإذا كان ثمة خسارة فتكون بنسبة رأس المال، وهي مبنية على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما يدفع المال إلى صاحبه أمنة، وبإذنه له في التصرف وَكلهُ، ومن شروط صحتها أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف. وعلة تسميتها بالعنان أن الشريكين يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا ساويا بين فرسيهما وتساويا في السير، وهي مشتقة من عنّ الشئ أي إذا عرض له حاجة[11].
3- شركة الأبدان
هي أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعاتهم، فما رزق الله تعالى فهو بينهم[12]. وكثيراً ما يحدث هذا بين النجارين والحدادين والحمالين والخياطين وغيرهم من المحترفين، وتصح هذه الشركة سواء اتحدت حرفتهما أم اختلفت وسواء عملا أو عمل أحدهما دون الآخر، منفردين أو مجتمعين. وتسمى هذه الشركة بشركة الأعمال أو الأبدان أو الصنائع أو التقبل. ويرى الشافعي أن هذه الشركة باطلة لأن الشركة عنده تختص بالأموال لا بالأعمال[13].
4- شركة الوجوه
هي أن يشتري اثنان فأكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال اعتماداً على جاههم وثقة التجار بهم، على أن تكون الشركة بينهم في الربح فهي شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال. وهي جائزة عند الحنيفية والحنابلة لأنها عمل من الأعمال فيجوز أن تنعقد عليه الشركة ويصح تفاوت ملكيتهما في الشئ المشترى. وأما الربح فيكون بينهما على قدر نصيب كل منهما في الملك. وأبطلها الشافعية والمالكية لأن الشركة إنما تتعلق بالمال أو العمل، وهما هنا غير موجودين[14].
خلاصة الموقف الفقهي من شركات العقود: أن هناك شركة واحدة فقط من هذه الشركات متفق عليها بين المذاهب وهي شركة العنان، وإن كانوا قد اختلفوا في بعض شروطها، والثلاث شركات المتبقية مختلف فيها وفي بعض شروطها عند من اتفق منهم عليها. ولضبط المسميات العصرية للشركات والمستقرة في أذهان عامة الناس وفقاً للمسميات الفقهية لها، فإنه يمكن تقسيم شركات العقود على النحو التالي:
1- شركات الأموال
ويندرج تحتها شركة المفاوضة وشركة العنان، وتقوم شركة المفاوضة على المساواة التامة بين الشركاء وهو أمر عسير ونادراً ما يتحقق، وهذا النوع من الشركة كالمعدوم في زماننا، فإذا قام الشركاء بعقد الشركة بدون اشتراط المساواة التامة فتكون عندئذ شركة العنان[15].
2- شركات الأعمال
وهي تقوم على الاشتراك بالأبدان كالصيادين والحمالين، أو الاشتراك بالصنائع كالنجارين والحدادين، أو الاشتراك بالتقبل كأن يقول أحد الشريكين أنا أتقبل وأنت تعمل والأجرة بيننا[16].
3- شركات الوجوه (المفاليس أو الذمم)
وتقوم على وجاهة الشركاء وثقة التجار بهم من غير أن يكون لهم رأس مال، فيشترون بالدين لذا سميت بشركة المفاليس أو الذمم.
4- شركات المضاربة (القراض)
وتقوم على الجمع بين شركة الأموال وشركة الأعمال، وهي شركة في الربح لا في رأس المال.
من كل ما تقدم يتبين أن شركة المفاوضة إذا تخلف أحد شروطها أصبحت شركة عنان، وأن شركة العنان إذا اجتمعت مع شركة الأعمال نتجت شركة المضاربة (القراض)، ويتبين أيضاً أنه لا يوجد في الشرع ما يمنع من اجتماع شركات الأموال والأعمال والوجوه طالما تم الالتزام بالأصول الشرعية والقواعد المرعية التي تحكم كل منها. هذا والله أعلم.
المراجع
-
السيد سابق: فقه السنة، مكتبة الخدمات الحديثة، جدة، ب.ت، ج 3 ص 377.
-
ابن قدامة: المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1981، ج 5 ص 3.
-
سورة النساء: الآية 12.
-
سورة ص: الآية 24.
-
الشوكاني: نيل الأوطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1982، ج 5 ص 390.
-
ابن قدامة: مرجع سابق، ج 5 ص 3.
-
السيد سابق: مرجع سابق، ج 3 ص 378.
-
المفاوضة أي المساواة، وسميت بهذه التسمية لاعتبار المساواة في رأس المال والربح والتصرف، وقيل: هي من التفويض لأن كل واحد يفوض شريكه في التصرف.
-
لو كان أحد الشركاء يملك 100 والآخر يملك دون ذلك فإن الشركة لا تصح ولو لم يكن ذلك مستعملاً في التجارة.
-
السيد سابق:مرجع سابق، ج 3 ص 379، 380.
-
ابن قدامة: مرجع سابق، ج 5 ص 16 ـ 31.
-
المرجع السابق مباشرة ، ج 5 ص 5.
-
السيد سابق: مرجع سابق، ج 3 ص 380، 381.
-
المرجع السابق مباشرة: ج 3 ص 380.
-
د. فوزي عطوي: الشركات التجارية في القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، منشورات الحلبي، لبنان، 2005، ص 579.
-
ابن قدامة: مرجع سابق، ج 5 ص 5ـ 7.