جمهور المتعاملين بالأسهم في البورصة يحتاج إلى المعلومات المالية وغير المالية الداخلية والخارجية وعادة ما تكون هذه المعلومات في صورة خام، كما أن جانب منها ينصرف إلى الماضي وليس المستقبل الذي هو بيت القصيد في اتخاذ القرار الاستثماري. وحتى يمكن الانتفاع بتلك المعلومات فإنها تحتاج إلى تحليل يساعد على استخلاص النتائج التي تسهم في رؤية ما يحتمل أن يكون عليه المستقبل، وتمهد السبيل لاتخاذ قرارات استثمارية ملائمة.
وعموماً هناك نوعان من التحليل هما: التحليل الأساسي، والتحليل الفني، ولكل منهما مبادئه وأساليبه في الوصول إلى توقعات لمجريات أسعار الأسهم بالمستقبل. فالمحللين الأساسيين يستخدمون الأدوات الاقتصادية التقليدية للوصول إلى تحديد الأسعار المتوقعة بالمستقبل، والمحللين الفنيين يسجلون حركة الأسعار في رسوم بيانية لاستخدام الأسعار التاريخية في التنبؤ بحركة الأسعار المستقبلية، وكل فريق يدعي أن أساليبه أفضل وطرقه هي الناجحة مع التشكيك في طرق الفريق الآخر [1] .
أ- التحليل الأساسي
التحليل الأساسي يرى أن أسعار الأسهم الظاهرة في السوق ليست سوى نتيجة للعوامل الحقيقية وراءها، وهي عوامل متعلقة بالعرض والطلب، وأي محاولة للتنبؤ بالأسعار تتطلب البحث في الأسباب وليس في النتائج، لأن السعر الظاهر في السوق ليس إلا انعكاساً للأسباب الحقيقية التي تكمن في ظروف العرض والطلب.
لذا يركز التحليل الأساسي على استخدام القوائم المالية للشركة للتوصل إلى قيمتها السوقية على ضوء النمو المتوقع في الأرباح، وبالتالي القيمة السوقية لأسهمهما. وذلك يتطلب البدء بالتحليل الاقتصادي على المستوى الكلي حيث يتطرق إلى النمو الاقتصادي المتوقع، ومعدل التضخم، ومستوى التوظيف، ومستوى واتجاهات أسعار الفائدة، وصولاً إلى إجمالي الناتج المحلي من السلع والخدمات، حيث تستخدم تلك التنبؤات كأساس للتوصل إلى المستوى المتوقع لمبيعات مختلف الصناعات، ومن ثم الوصول إلى المبيعات والأرباح المتوقعة لمختلف الشركات داخل الصناعة المعنية [2] .
ويعرف هذا الأسلوب الذي يمكن استخدامه للتنبؤ بالمبيعات والأرباح بمدخل التنبؤ من أعلى إلى أسفل، ويفيد في الكشف عن الصناعات الأكثر استفادة من الظروف والأحداث الاقتصادية، ومن ثم تحديد حجم استفادة كل قطاع اقتصادي من المزايا، ثم تأتي الخطوة الأخيرة بتحليل مختلف الشركات داخل الصناعات المختلفة للتوصل إلى تلك الشركات الأكثر استفادة، ومن ثم مقدرتها على تحقيق معدل نمو في الأرباح أكبر.
والمدخل الآخر الذي يمكن استخدامه في مجال التحليل الأساسي يسمى بمدخل التحليل الأساسي من أسفل إلى أعلى حيث يبدأ هذا المدخل بالتنبؤ بمبيعات وأرباح الشركات بمختلف الصناعات. فالركيزة الأساسية للتحليل الأساسي هنا هي تحديد أي من الأسهم يمكن شراءها بصرف النظر على الصناعات أو القطاعات الاقتصادية التي تنتمي إليها هذه الشركات، وبذا يأخذ المحلل في الحسبان الخصائص أو المميزات الخاصة لهذه الشركات كأساس في عملية الاختيار [3] .
ب- التحليل الفني
التحليل الفني للأسهم ليس علماً دقيقاً، ذلك أن أسعار الأسهم مصنوعة من أهواء وآراء الناس، وتزايد الاعتماد على التحليل الفني في المؤسسات المالية يساعد على تزايد ظاهرة " غريزة القطيع " وتحقيق التنبؤات لنفسها لمجرد اقتناع المتعاملين بها [4] .
فالتحليل الفني لا يركز على العوامل الأساسية الخاصة بالشركة والبيئة الاقتصادية، وينصرف اهتمامه في الأساس إلى تتبع وتسجيل حركة الأسعار وحجم التداول في الماضي في رسوم بيانية، على أمل اكتشاف نمط لتلك الحركة يعد مؤشراً يعتمد عليه في التنبؤ باتجاه الحركة السعرية في المستقبل. ورغم وجود خلاف وجدال حول أهمية التحليل الفني، إلا أن شركات السمسرة تعتمد على المعلومات المستمدة من التحليل الفني في اختيار الأسهم التي يتم التعامل عليها.
• مقارنة بين التحليل الأساسي والتحليل الفني
- التحليل الأساسي علم له قواعد محددة قائمة على دراسة القوائم المالية، ومقارنة النتائج الحالية بالفترات السابقة، ويحلل توجهات الإدارة وسياستها المختلفة في ظل متغيرات السوق المؤثرة في نشاط الشركة، وكذلك توقعات نتائج الأعمال في المستقبل القريب والبعيد، بغرض حساب ما يعتقد أنه السعر العادل للسهم.
- التحليل الأساسي يهتم بمعرفة الأسباب الحقيقية وراء التغير الظاهر في أسعار الأسهم في البورصة، ليقدم إجابة للمتعاملين في البورصة عن لماذا تحرك السعر في اتجاه معين؟.
- التحليل الفني يهتم بحركة الأسعار على أساس أن السعر يعكس كل الأنباء والمعلومات المعلنة وغير المعلنة، وكذلك توقعات جميع المتعاملين بهذا السعر، ليقدم إجابة عن ماذا بعد؟ إلى أين، إلى متى ؟.
- التحليل الأساسي مهمته المساهمة في بناء استراتيجيات الاستثمار عن طريق تحديد أي من الأسهم يمكن شراءها، مع تحديد السعر العادل لها.
- التحليل الفني تقتصر مهمته على المساهمة في توقيت اتخاذ القرار الاستثماري الملائم شراء، أو بيع، أو احتفاظ، دون أن يقترب من مهمة تحديد السعر العادل للسهم.
- التحليل الأساسي هو الوسيلة التي يعتمد عليها المستثمرين الحقيقيين الذين يرغبون في شراء أسهم الشركات ليصبحوا شركاء فيها، ومالكين لحصة على المشاع في أصولها وموجوداتها، والبقاء فيها بغرض الحصول على نصيبهم من الربح الحقيقي الناتج عن نشاط تلك الشركات في نهاية كل عام بعد صدور الميزانيات المدققة.
- التحليل الفني هو الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها المراهنين والمقامرين على تذبذبات الأسعار اللحظية في البورصة لتحديد نقطة وقف الخسارة.
• الانتقادات الموجهة للتحليل الفني
1- التحليل الفني ليس علماً دقيقياً، ولا يعتمد على المعلومات الاقتصادية بالمرة، والمحلل الفني ينتظر وقوع الأحداث، ويرى بعينه التحول في حركة الأسعار ثم يتخذ القرار.
2- أثبت الواقع أن من يتبع التحليل الفني، يندر أن يحقق أرباحاً غير عادية من تداول الأسهم.
3- المحللون الفنيون هم الذين يخلقون بأنفسهم التوقعات التي يعتقدون إمكانية حدوثها فتتحقق وفقاً لأهوائهم، وهو ما يعرف بظاهرة " غريزة القطيع ".
4- التحليل الفني في واقع الأمر تحليل تصوري لسيكولوجية المراهنين والمقامرين في البورصة، والذي يتحكم في تصرفاتهم هو الخوف والطمع والأمل، وهي أمور نفسية يصعب حسابها. حتى أن عالم الرياضيات السير إسحق نيوتن قال يوماً بكثير من الحسرة: " إنني قادر على حساب حركة الأجرام السماوية، ولكنني عاجز عن حساب جنون الناس "، وذلك عندما خسر ألف جنيه استرليني في عام 1720 م، بعد انهيار سهم شركة South Sea [5] التي كان قد استثمر فيها أمواله [6] .
• لماذا تختلف القيمة السوقية للسهم عن قيمته الحقيقية؟
من حيث المبدأ ينبغي أن تكون القيمة السوقية للسهم مساوية لقيمته الحقيقية المستمدة من " صافي حقوق الملكية " التي تمثل باقي القيمة الحقيقية لأصول وممتلكات الشركة بعد استبعاد الالتزامات التي عليها، مضافاً إليها الأرباح المحتجزة، والاحتياطيات، وأن أي تغير في هذه القيم المعدة وفقاً للقواعد المحاسبية المتعارف عليها هو الذي يؤثر بصورة طبيعية في القيمة الحقيقية للسهم سواء بالزيادة أو النقص، ولكن هناك عاملان يخلان بهذا المبدأ.
أولهما: يتعلق بتوقعات المتعاملين لأسعار الأسهم في البورصة في الأجل القصير.
ثانيهما: مرتبط بالمعدل الذي تخصم به التدفقات النقدية المتوقعة ( الأرباح الحالية والمرتقبة )، للوصول إلى قيمتها الحالية التي تعادل القيمة السوقية للشركة.
- بالنسبة للعامل الأول: توقعات أسعار الأسهم اليومية بل اللحظية في البورصة فهي لا تستند إلى أي معايير علمية، وهي ناتجة عن الانخفاض الشديد في معامل الارتباط بين القيمة السوقية للسهم والقيمة الدفترية أو الحقيقية للشركة المصدرة له، لذا نجد بعض الشركات التي لم يبدأ نشاطها بعد! وأخرى وهمية تحمل اسماً رناناً دون حتى مقر! وشركات تعلن عن خسائرها جهاراً نهاراً على صفحات الجرائد! ومع ذلك قيمة أسهمها في البورصة في ارتفاع متزايد؟ وعلى العكس من ذلك هناك شركات حقيقية تمتلك أصول بقيم مهولة، وتحقق أرباح ومعدلات نمو عالية ومع ذلك أسهمها في إنخفاض!. وحقيقة الأمر هي أن التذبذبات اللحظية في أسعار الأسهم في البورصة من دروب المراهنة والمقامرة، ولا تمت للمضاربة الشرعية بأي صلة.
- أما العامل الثاني: معدل خصم التدفقات النقدية فهو قائم على أساس أن هناك معدل للعائد على الاستثمار خالي من المخاطر – وهي مجرد مغالطة لعدم وجود استثمار خالي من المخاطر – ويتمثل هذا المعدل في العائد السنوي على أذون الخزانة، أي أن معدل الخصم، أو العائد الخالي من المخاطر، ما هما إلا تعبيراً عن المعدل الحقيقي للفائدة الربوية المنهي عنها شرعاً.
وفيما يلي مثال مبسط يوضح كيفية تأثير معدل الخصم أو معدل الفائدة الحقيقي على تحديد قيمة السهم من وجهة نظر المتعاملين في البورصة.
مثال: بفرض أن إحدى الشركات المساهمة تقوم بتوزيع عائد سنوي قدره 10 جنيهات على سهمها البالغ قيمته الحقيقية 100 جنيه، ومن المتوقع توزيع المبلغ نفسه في السنة المقبلة، وبفرض أن معدل العائد الذي يطلبه هذا المستثمر ( معدل الخصم ) هو 12% والسؤال ما هو السعر الذي يجب أن يدفعه المتداول في هذا السهم ؟.
ويكون الجواب أن السعر الذي يجب أن يدفعه المساهم في هذا السهم = 10 / 12% = 83.33 جنيه.
فإذا استخدمنا نفس المعلومات في المثال السابق ولكن بفرض أن ( معدل الخصم ) هو 8 % يكون السعر الذي يجب أن يدفعه المساهم في هذا السهم = 10 / 8% = 125 جنيه.
من المثال السابق يتبين أن السعر الذي يجب أن يدفعه المتداول في السهم ( السعر السوقي ) قد انخفض عن السعر الحقيقي في الافتراض الأول، وزاد عن السعر الحقيقي في الافتراض الثاني، لمجرد أن سعر الفائدة قد تغير، على الرغم من أنه لم يحدث أي تغير في قيمة الشركة أو النتائج المتحققة عن نشاطها.
وبذلك يتضح أن اختلاف القيمة السوقية للسهم سواء كان بالزيادة أو بالنقص عن قيمته الدفترية أو الحقيقية يرجع إما إلى المراهنة والمقامرة على تذبذبات أسعار الأسهم اللحظية في البورصة، والتي يسمونها تدليساً بالمضاربة وفقاً للمفهوم الغربي وليس الشرعي [7] ، أو يرجع إلى استخدام معدل خصم التدفقات النقدية (معدل الفائدة المحرم شرعاً) للوصول إلى القيمة الحالية لتلك التدفقات النقدية باعتبار أنها تعادل القيمة السوقية للشركة.
وهذا الفهم المشوه والتطبيق الخاطئ مما ابتُلي به المسلمون في هذا العصر نتيجة لبعدهم عن تعاليم دينهم، وفي الاقتصاد الإسلامي حيث يَحرُم الرهان والمقامرة وتحرُم الفائدة الربوية، فإن القيمة السوقية للسهم تكون مساوية لقيمتة الحقيقية أو الدفترية العادلة.
المراجع
- عبد المجيد المهيلمي: التحليل الفني للأسواق المالية، شركة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط 3، 2004، ص 33.
- د. عبد الغفار حنفي: أساسيات الاستثمار في بورصة الأوراق المالية أسهم ـ سندات ـ وثائق الاستثمار ـ الخيارات، الدار الجامعية، الأسكندرية، 2005، ص 253.
- د. منير إبراهيم هندي: أساسيات الاستثمار وتحليل الأوراق المالية، منشأة المعارف، الأسكندرية، ط2، 2006 ،ص 255.
- عبد المجيد المهيلمي: مرجع سابق، ص 8، 36.
- وكيبيديا الموسوعة الحرة: تذكر أن فقاعة " South Sea " هي أحد الأحداث المهمة في تاريخ المعاملات بالأوراق المالية، فالأسهم التي طرحتها شركة البحر الجنوبي المساهمة الانجليزية بسعر 128جنيه استرليني في أول يناير 1720م، ارتفعت بسرعة حيث حلق السعر عند ذروة 1050 جنيه في 24 يونيو، وفي أغسطس من نفس العام بدأ البيع غير المنضبط وهو ما أدى إلى سقوط سعر السهم إلى 150 جنيه، وخسر العديد من الأفراد البريطانيين – بما فيهم الأرستقراطيين – مبالغ ضخمة وأفلس بعضهم كلياً.
- عبد المجيد المهيلمي: مرجع سابق، ص 41.
- المضاربة بالمفهوم الشرعي تعني شركة بين رأس المال من جانب، والعمل من جانب آخر، والربح يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها.